13 سبتمبر 2025

تسجيل

الديموقراطية في "أصيلة"

31 يوليو 2019

الحديث عن الديموقراطية يطولُ ويتشعَّب إلى درجة المَلل، وأنا هنا لا أريد أن أوصلكم إلى هذه الدرجة، بالطبع هنالك عقولٌ تعتبرُ الديموقراطية كُفراً!، ولا تجوز المطالبة بها. وهذا رأي تحتّمه ظروفٌ بيئية واجتماعية وعقائدية، في مناطق عدة من العالم. ولم تحظ أيةُ قضية من القضايا بالاهتمام، قدرَ ما حظيت به الديموقراطية، ذلك أن مفهوم الديموقراطية "فضفاض"، ويمكن تفصيله، حتى في أشدّ دول العالم ديكتاتورية. وخلال ندوة "أصيلة" في موسمها الثقافي الحادي والأربعين طُرحت قضية الديموقراطية، تحت عنوان (عبء الديموقراطية الثقيل.. أين الخلاص؟)، التي افتتحها معالي محمد بن عيسى أمين عام منتدى أصيلة، وكانت هنالك عدة رؤى حول أشكال الديموقراطية وتطبيقاتها، خصوصاً في العالم الثالث، فكان هنالك المفهوم السياسي للديمقراطية، والمفهوم الاجتماعي، والمفهوم التعليمي، والمفهوم الاقتصادي. ولأن الديموقراطية أداة لتحسين أحوال الناس، وحُسن إدارتهم لشؤونهم، فيما عُرف بحُكم الشعب لنفسه وبنفسه، وذلك عبر آليات محددة، تصل في النهاية، إلى العدالة والمساواة والمشاركة والشفافية وحرية التعبير، فإنها (الديموقراطية) تقضُّ مضاجعَ الأنظمة الديكتاتورية، وتتم محاصرتها إما بالقبلية المتشدِّدة أو الدين المتشدِّد أو الاقتصاد "المخطوف"، أو حُكم العسكر، الذي "سرق" الديموقراطية ومارَس استبداداً لأكثر من ثلاثين عاماً في أغلب الدول العربية، كما أن نظام الحزب الواحد، الذي ربّى الناس على حُبِّ الاستبداد، كان ناجحاً لدرجة كبيرة في العالم العربي. ولقد رُبطت الديموقراطية بالاقتصاد في الأنظمة الغربية، نظراً لأن المواطن يدفع ضرائب، وبالتالي يحق له المشاركة في الحُكم.  ولقد ضرب بعضُ المتداخلين في الندوة، المثال الصيني والسنغافوري، وهما نظامان ليسا ديمقراطيين، ولكن تحقَّق الرخاءُ الاقتصادي في البلدين، وغدت الصين، خصوصاً، من أقوى الاقتصادات في العالم. كما أن سنغافورة حققت أعلى الدخول، رغم وجود نظام الحزب الواحد في كلا البلدين!، بل إن دخل الفرد في سنغافورة يصل إلى 56 ألف دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر دولة مُصدِّرة للعُملة من قطاع السياحة، رغم أن مساحتها لا تتعدى 720 كيلومتراً مربعاً! وفي أفريقيا وبعض الدول العربية التي جاهرت بالنظام الديموقراطي، وجدنا أن الحزبَ الواحد يحكم لأكثر من ثلاثين عاماً، دون تحقُّق تداول السلطة، ومبدأ تكافؤ الفرص، أو التنمية، ذلك أن جُلّ الأنظمة في هذه المناطق يحكمها العسكر، الذين إن وصلوا إلى الحُكم، لا يمكن أن يتزحزحوا، والحال واضح في كل من: مصر، سوريا، السودان، العراق، ليبيا، الجزائر، والعديد من الدول الأفريقية. قضية أخرى ترتبط بالديموقراطية هي مدى استعداد الانتماء البيئي للعائلة في التنازل عن بعض المكتسبات، في دولة الرفاة، مثلاً في الخليج، والمخاطرة في الانخراط في النظام الديموقراطي! وهذا سؤال صعب، وأثبتت التجارب استحالة تحقيقه. تحاول بعضُ الجماعات تفسير الديموقراطية على أساس أنها مفهوم غربي، يتعارضُ مع القيم الدينية السائدة في مناطق عدة من العالم، وحدث هذا في ظلِّ التحالف المتين، بين أنظمة الحُكم الاستبدادية، والقوى الدينية، التي صوّرت الديموقراطية على أنها وسيلة «تخريب» للعلاقة الوطيدة بين الطرفين، وبذلك استمدت أنظمةُ الحُكم تلك، شرعيتها وضمانَ بقائها، ليس عبر السيف أو الدبابة، بل عبر الدين!. أشار بعضُ المشاركين في الندوة إلى أن الديموقراطية الغربية لم تتحقق إلّا بعد حروب شديدة ومُكلفة، ذهب ضحيتها الملايين من البشر، وتم انتزاع (الحق الإلهي) من الإمبراطوريات ومن الكنيسة، وبالتالي تحققت الديموقراطية على أيدي العلماء والمفكرين والمبدعين، دونما تدخُّل من العسكر، في بعض الحالات، والذين أجهضوا ثورات في العالم الثالث، بل وأزاحوا الأنظمة – التي جاءت عبر صناديق الاقتراع، كما حصل مؤخراً في مصر. أعتقد بأن منطقة العالم العربي حَبلى بالتجارب السياسية، التي تحتاج إلى دراسة متأنية، فيما يتعلق بتشكّل النُظم وهياكلها الإدارية، ورؤاها للتعامل مع الشعب. ولدينا تجارب عديدة في كُلٍّ من: العراق، سوريا، مصر، ليبيا، الجزائر، اليمن، السودان، الصومال. وعلى طلبة العلوم السياسية البحث والتنقيب عن الثورة التي تتحول إلى سجن كبير للشعب! بطبيعة الحال، وللإنصاف، لابد من بحث ودراسة واقع حال دول مجلس التعاون، لأن الأحوال لن تبقى كما كانت؛ خصوصاً في ظل الأحداث الأخيرة، التي عصفت بمجلس التعاون، ومحت صورته من الذاكرة الخليجية! ولابد من إيجاد صيغ إدارية حديثة، في مجلس التعاون، كي تتواءم مع متطلبات العصر. وقد يكون بحث الظاهرة الكويتية في العمل الديموقراطي مدخلاً مهماً.  إن الصيغ التوافقية التي درجَ عليها المجتمع الخليجي أصبحت مُهدَّدة من الداخل ومن الخارج، ولقد حصلت هنالك خروقاتٌ للمبادئ والمفاهيم التي قام عليها المجتمع الخليجي، ومجلس التعاون أيضاً، (وحصار دولة قطر من قبِل دول أعضاء في مجلس التعاون، خير مثال لتلك الخروقات)، ما يتطلب تحديث الرؤى، والبحث عن أطرٍ جديدة للتعامل مع الدول داخلياً، وضمن النطاق الإقليمي. وأخيراً، للديموقراطية ثمن، ومن لا يستطيع دفع هذا الثمن، عليه أن يقبل بحتميات التاريخ.    [email protected]