12 سبتمبر 2025
تسجيليحلو للبعض أن يحلم بأن يكون مؤلِفاً مشهورًا، وهذا حقه؛ ولكن دون أن يتعلم أصولَ التأليفِ، وعِدّةَ ومضمونَ التأليف! وفي ظلِّ موجةِ "التكالب" على التواجد في المحافل المُتعددة من ندوات، أو معارض، أو الحضور في أدوات التواصل، نلاحظ "عبثًا " واضحًا في إصدارات الكتب المتواضعة، وتلك التي يصعبُ تصنيفُها حسْبَ أعراف التصنيف. كما يحلو للبعض، وهو يتمتعُ بوظيفة جيدة، أو موقعٍ اجتماعي جيد، أن يكون ضمن لائحة المؤلفين، هكذا فجأة ! أو بقرار منه! فالبشر خلقهم الله غير متساوين في المواهب أو الأشكال الدنيوية من غنىً أو فقر، حظٍ أو سوء حظ ، حظوةٍ أو غير حظوة.. إلخ. ولقد شهِدنا خلال السنوات القليلة الماضية ظهورَ "روائيين وروائيات" لم يسبق لهم أن كتبوا مقالاً أو خاطرة أو حتى قصة قصيرة !؟ هكذا؛ وجدنا أنفسنا أمام مَن يكتب ما يُسميه "رواية"، وهو أبعدُ ما يكون عن خصائص الرواية المعروفة! وهذا ما سبب الخلط في مفاهيم الكتابة واشتراطاتها. وفيما يلي بعض الملاحظات على الإصدارات التي تفتقد بعضًا من ملامح الكتابة الصالحة للنشر: إن اللغة الجيدة من الأدوات الأساسية للكِتاب الجيد، وإتقانُ اللغة من اشتراطات التأليف، وضعفُها أو عدم اتقانها يحول دون تمكّن الكاتب من التعبير عن أفكاره. وللأسف، يوجد مِن الكُتّاب مَن لا يؤمن بهذا الحتمية، بل يُعوّل على المُصَحِح اللغوي، بينما هو يكتب بلهجة عامية أو عربية مُكسّرة. ومثل هؤلاء لن يكونوا في صفِّ الكُتّاب الجيدين مهما أعانتهُ وسائلُ التواصل أو وسائلُ الإعلام. عدم الإلمام بتصنيف مادةِ الكِتاب، نظرًا للتهافت على الشُهرة التي تُضاف إلى الوجود الاجتماعي أو المالي! ولقد شهِدنا إصداراتٍ يصعبُ تصنيفُها! فبعض الكُتّاب لا يدرك ما يطبعه، هل هو قصة، أم رواية، أم خواطر، أم مقالات سبق نشرُها، أو سيرة ذاتية للترويج عن الذات، أم وثائق رسمية كان قريباً منها. ونظرًا لعدم وجود جهةٍ تحكمُ موضوعَ التأليف، أصبحت هذه الظاهرة منتشرةً، للأسف، وبدأت تُزاحم المؤَلَف الجيد، نظرًا لعاملِ (المادة) التي تُصرف على البذخ في الألوان ونوعية الورق والإعلان عبر وسائل التواصل. في معرض الكويت للكتاب الأخير تقابلتُ مع سيدة أصدرتْ كتابًا هو عبارة عن (تجميع) لقضايا عُرضت في المحاكم فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية! ولقد قامت "المؤلفة" بوضع اسمها على الغلاف! وكان نصفُ صفحات الكِتاب عبارة عن تلك القضايا، بينما كان النصفُ الثاني عبارة عن أهمِّ حوادثِ الإجرام التي حدثت في العالم؛ نقلته من الإنترنت، وكذلك تم حشرُ القانونِ المدني الذي يُنظّم حياة الناس! ولقد سقطت الوحدةُ الموضوعية في الكتاب، والأغرب – كما أخبرني شخصٌ قريبٌ من دار النشر – أن تلك "المؤلفة" لم تؤلف الكتاب ولم ترهُ إلّا بعد أن تمت طباعته، وكانت قد أَمْلتْ القضايا الاجتماعية عبر الهاتف – بلهجة محلية - على موظف في دار النشر. ولقد فاتَ على "المؤلفة" أن تُثبت المراجع التي استقتها من الإنترنت. وهذه مخالفة كبرى في مجال النشر. إن مثل هذا " المَسخ" من الكتب لا يمكن أن يُضيف إلى المكتبة العربية، ولو كنتُ مكانها لاكتفيتُ بالحوادث التي عاصَرَتها فقط ، دون الحاجة إلى "تكبير" حجم الكتاب، بحشر ذاك القانون وتلك الحوادثِ العالمية التي لا صلة لها بموضوع الكتاب. الغريب، أن الطبعة الأولى من الكتاب نفدت، ويبدو أن هنالك طبعة ثانية بنفس الأفكار!؟ التأليف المدفوع: وهو قيام شخص بتأليف الكتاب نيابةً عن صاحب أو صاحبة الاسم الذي يظهر على الغلاف! وللأسف، فقد استفحلت هذه الظاهرة نظرًا لغياب وازعِ الضمير لدى الطرفين " الدافع" و "القابض"! ولقد أخبرني صديقٌ عربي هنا، أن إحداهُن تقدَّمت إليه بعرض كي يكتب لها قصة قصيرة ، لقاء مبلغ من المال، وأن تضع اسمَها على المؤَلَّف !؟ على أنها كتبته!؟ هذا التصرّف غير سويّ ولا أخلاقي! المشكلة أن هذه الكاتبة تمثّلنا في الخارج!؟ فهل تصدّقوني إن قلت إننا نعيش " فوضى ثقافية"!؟؟ عدم قدرة " المؤلِف" - الذي وضَع اسمه على الغلاف - عن الدفاع عما ورَد في الكتاب! بل إن بعضهم " يُحرَج" لو قام أحدُهم وسألهُ عن فقرةٍ وردَت في الكتاب. وهذا دليل على أن " المؤَلِف " غير مؤهل للكتابة! ولقد شهِدت الساحةُ الخليجية إصدارَ أكثر من خمسةِ كُتبٍ لـ" شخص"؛ لم يظهر في أية وسيلة إعلامية أو مقابلة أو حتى لم يحضر أَية ندوة أدبية! وهذا له دلالاتٌ عن مدى قدرة هذا "الشخص" على الدفاع أو مناقشة ما يُصدِرهُ سنويًا! غياب الكتابة الإبداعية : ذلك أن البعض يُكرِّرُ ما سبق نشرهُ من تراكيبَ وألفاظٍ وأفكار، دونما التفاتٍ للجانب الإبداعي – خصوصًا في القصة والرواية – فيأتي الكتابُ تقريريًا باهتًا ويكون عبئًا على المكتبة والقارئ! والواجب أن يبحث الكاتبُ عن لغةٍ جديدة مُبهرة، وتراكيبَ لم يسبق نشرها، وأيضًا عن أفكارٍ جديدة غير مسبوقة! كما يجب ألّا يكون كاتبُ القصة ِأو الرواية " مُصوِّرًا فوتوغرافيًا" ينقل الواقع كما هو، ويقوم بإصداره في كتاب. لأن الكتابة الأدبية إبداعٌ في المقام الأول. لقد انتهيت من قراءة رواية محلية، لإحداهُن، كانت عبارة عن مواعظ وحِكَم وإرشادات، مباشرة وبعيدة عن الفن الروائي! وكتَبت على الغلاف أنها رواية!؟ بل إن دار النشر (المحلية) لم تلتف إلى هذا العيب الواضح في "الرواية"، ولم تقترح على الكاتبة تصحيحَ مسار " الرواية"! ساهمت وسائلُ التواصل الاجتماعي وبعضُ " الفاشنستات" في ترويج كُتب متواضعة جدًا من حيث المضمون واللغة والإخراج. تمامًا كما فعل بعضُ الصحفيين - العاملين في الصفحات الفنية أو الثقافية - الذين يُروجُون لمثل تلك الأعمال المتواضعة، دونما اهتمام بالمصداقية والموثوقية بين الصحيفة والقارئ. ولأن المؤلفين الجادّين، والذين تعبُوا في دراسةِ الأدب وتصانيفِ التأليف، ولديهم الأدوات التي يستخدمونها بكلِّ براعة، لا يلجَأون – في الأغلب – لمثل أدوات الدعاية تلك، ويكتفون بما تقوم به دارُ النشر، نجد أن كتبَهم القيِّمة لا يتم الترويج لها بصورة جيدة، ولا تنالُ حظَها من الشُهرة التي تُصيب الإنتاجَ الفاسد؛ والذي تتسابق بعضُ "الفاشنستات" على نشره، وهذا لا يَصُبُّ في مَعين الثقافة العربية. عدم تدخُّل المؤلف في عملية إخراج الكتاب، ويَتركُ ذلك لذوق وثقافة المُخرِج في المطبعة أو دار النشر. وهذا يؤدي إلى سوءِ اختيار الورق الملائم للموضوع، وإلى سوء تحديدِ حجم قَطعِ الكتاب، وسوءِ اختيار الغلاف، وسوءِ تحديد (بنط) الكتابة ، وكذلك وجود بعض البهرج الذي يُضاف – دون وعيٍ – إلى صفحات الكتاب، من تلوين بعض الكلمات بألوان مختلفة، أو وضعِ براويزَ للأسطر، أو وضعِ خلفياتٍ ملونة في الصفحة الواحدة .. وغيرها من ألوان البهرج الذي يُضعف مستوى الكتاب ويجعله مثلَ كرّاسةِ الصفِّ الأول الابتدائي. الأخطاء النحوية والمطبعية : أحيانًا ، لا يوجد لدى بعض دور النشر مُصحِحٌ لغوي كي يُدقِّق الكتاب، وقد يكون المؤلِفُ ضعيفًا في النحو، ويحدثُ أن يُطبع الكتابُ مليئًا بالأخطاء النحوية والمطبعية، والتي تؤثر على قيمة الكتاب وعلى المؤلِف أيضًا! ولقد صادفتُ رواية في أحد معارض الكتب طُبعت منها 10 طبعات!؟ وللأسف حوت كلُّ صفحة من الصفحات الثلاثمائة ونيف، أخطاءً نحوية مُرعبة، بل إن الكاتبة لا تفرق بين عمل (إن) أو (كان) ، ولا تعرف ماذا تفعل (لم) الجزم، وكيف نصوغ أسماءَ الإشارة في المفرد والمثنى والجمع .. وغيرها من الأخطاء التي انتشرت في كلِّ صفحة من صفحات الكتاب؛ ما جعلت الكتاب " مَسخًا"!. ولقد قضيتُ حوالي أسبوعين أُصَحِحُ تلك الأخطاء ثم أخذت الرواية للناشر، ورجوته أن يلتفت إلى هذه الأخطاء (عند طباعة النسخة الحادية عشرة)!؟ هنالك مِن الكُتّاب مَن لم يتعرف على أدواتِ الترقيم، ولا يُدرك أهميتَها في إيصال فكرته أو جملته إلى القارئ! وهذا يُربك العمل! ونلاحظ وجودَ جملةٍ في سبعة أو ثمانية أسطر دون وقفات ( فاصلة، نقطة، علامة استفهام، فاصلة منقوطة، علامة تنصيص.. إلخ)! وبعد، فإن النشر أو التأليف حتمًا يحتاج إلى موهبة في المقام الأول، ثم إدراكِ الأدواتِ الصالحة للتأليف كما تقدم ! ومن غير المُفيد إصدارُ كتابٍ يسيء لصاحبه، ولا يصُبُّ في حركة التأليف والثقافة عمومًا؛ حتى لو أصابَ صاحبُ الكتاب شهرةً، إلا أنها ستكون شهرةً "مُزيفة".