12 سبتمبر 2025
تسجيلالفنان يوسف أحمد أحدُ المساهمين النُشطاء في تطوير الفن الحديث والمُعاصر في قطر يوسف أحمد يملك سجلاً توثيقياً لكيفية استخدام الحرف العربي في تشكيل لوحات مؤثرة المعرضُ مدرسة لمُحبّي الفن التشكيلي ولكُلّ إنسان أنْسَتهُ الدنيا جمالَ بلاده جمعَنا ذات مساء، معرضُ ( لين يطرى عليّ لوّل) الذي صمَّمهُ الفنان القدير (يوسف أحمد)، في مكان استحضَرنا فيه رائحةَ (مشيرب)، مرتع الطفولة، ومدرسة (الوسط)، ومُصَلّى العيد، على الطريق نحو سوق واقف ومطعم ( بسم الله)، مروراً بالشرطي الذي يُنظّم المرورَ في سوق واقف. شمَمنا رائحةَ الطين التي تنبعثُ من جدران (الجسرة)، واستحضرنا ذكرياتنا الجميلة، في طُرقات (مشيرب) و(القائد) و(الأصمخ)، وما حولها. كما تذكّرنا معاً (فرقةَ الأضواء الموسيقية)، خلف مُصَلّى العيد، والتي جمعت الأدباءَ والفنانين القطريين، منذ تأسيسها على يد الفنان الراحل عبدالعزيز ناصر، عام 1966. ولقد جاء معرضُ ( لين يطرى عليّ لوّل) استلهاماً لأغنية كتبها الصديقُ الدكتور مرزوق بشير، ولحّنها الفنانُ الراحل عبدالعزيز ناصر، وغناها الفنان إبراهيم حبيب، في منتصف السبعينيات، تقول كلمات الأغنية: لين يطرى عليّ لوّل تطرا لي سوالفكم آلاقي نفسي تأخذني على غفلة بسكتكم. لي هبّ الهوى الغربي جايب لي نسايمكم كل نسمة تهزّ قلبي.. أشم فيها خناينكم. كلماتٌ تحملُ عبقَ الماضي، بكُلّ ما في المكان من روح الزمان، وما يتشكَّلُ في وجدان الإنسان من تضاعيفِ المشاعر، ووجوهِ ساكني المكان، من: السكة، الهوى الغربي، النسمة، الخناين (العطور) ! ولقد استلهم الفنان (يوسف أحمد) كلماتِ الأغنية، وقام بعمل معرض يُجسّد كلمات الأغنية، في لوحات فنيّة حملت عبقَ (مشيرب) وبوحَ بيوتها، وملامحَ الحياة فيها: السواحل، السَبخات، فن العمارة، مسيّان ( وقد المساء)، والخربشات البريئة على الجدران، مثل: (يعيش فريق الحريّة)، باعثاً حياةً ناطقةً في المكان والزمان، عبر أسلوب انطباعي، وبألوان هادئة، مُريحة للعين، تتماهى مع الحدث، الذي ترويه تلك اللوحاتُ الناطقة في صمتها، بالذكريات، ورائحةِ الماضي الجميل. كما حمل أسلوبُ الفنان يوسف أحمد، تكوينَ العَمارة القطرية في الأربعينيات والخمسينيات، عبر الأدوات التي كانت تُبنى بها البيوت آنذاك، مثل: الطين، الحصى، الدنجل (الأخشاب الطويلة التي تبنى بها سطوح المنازل)، وأشكالِ البيوت على السواحل. ولقد قام الفنان (يوسف أحمد) بترجمة القصيدة المذكورة بلمسات مُعبّرة، دونَ تكلّف، ولكأنه عاش الكلمات بنفسه، وتلك حقيقة، فلقد كان المذكور في القاهرة إبّان تسجيل الأغنية. وكان معاصراً لكاتب الأغنية ومُلحنها الراحل. ولقد غلبَ على ألوان لوحاته، اللونُ البني المائلُ نحو الصَفار، المُعبّرُ عن الطين، واللونُ الأزرق الفاتحُ المُعبّرُ عن لون السماء الصافية ولون البحر، في تمازج مُريح للعين، باعث على التأمُّل والتفكّر في حياة الآباء والأجداد مِمن سكنوا (مشيرب) وما حولها. الجميل في المعرض الذي تم تنظيمه في (بيت الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني) رحمه الله، أنه جمع شخصيات قطرية مُحبّة للفن، ولربما لم تلتقِ في المكان منذ أكثر من ستين عاماً، معظمُهم مَرّ أو عاشَ في (مشيرب) أو (الجسرة) أو (البدع) أو ( الأصمخ). ولقد أجادت متاحفُ (مشيرب) في حُسن التنظيم، واختيار المكان المُعبّر عن (ثيمة) المعرض، وتطلعاتِ القصيدة. كما ساهم (مركزُ قطر الفني)، الذي أنشأهُ الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني عام 1997، بهدف إثراء الحياة الثقافية في دولة قطر، في دعم المعرض، كما شكّل حضور الشيخ حسن نفسه، دعماً مؤثراً للفنان القدير وأصدقائه. المعرضُ مدرسة، ليس لمُحبّي الفنِّ التشكيلي، بل لكُلّ إنسان أنْسَتهُ الدنيا جمالَ بلاده، وبساطتها، وطيبةَ أهلها. وبودي لو قامت المدارسُ بتنظيم زيارات للمعرض، كي يتحقق الهدفُ التعليمي / التثقيفي من المعرض. إن الثقافة بشقها الأدبي والفني، لا تعيش إلا ضمن مكونات المجتمع، وتطلعاته، كما أن صقل الموهبة بالدراسة أمرٌ بالغ الأهمية ليصل الأديبُ أو الفنانُ إلى ما يرجوه، وما يمكن أن يُسعِد المُتلقين. فالفنان (يوسف أحمد) أحدُ المساهمين النُشطاء في تطوير الفن الحديث والمُعاصر في دولة قطر، ولقد درسَ الفنَّ في جامعة (حلوان) بمصر، وحصل عام 1976 على شهادة البكالوريوس في الفنون والتربية. كما حصل على شهادة الماجستير عام 1982 من كلية ( ميلز) في أوكلاند بالولايات المتحدة. وتحوّل الفنان يوسف أحمد من تلك الخربشات الطفلة، باستخدامه الفحمَ الناتج عن النار التي توقدها والدته، رحمها الله، ويرسم به على جدران منزله، إلى أن يُعايش اتجاهاتِ الفن المُعاصر في الولايات المتحدة ومتاحفها العتيدة، ويلتقي بكبار الفنانين الأمريكيين. ولقد حصل تحوّلٌ كبيرٌ في اتجاهات الفنان، عندما بدأ في التعامل مع الأحرف العربية، بأسلوب تجريدي، مُستخدماً العديدَ من الأدوات، وليس الريشة أو القلم. ويأتي ألبوم الفنان الثري باسم ( يوسف أحمد) سجلاً توثيقياً لكيفية استخدام الحرف العربي في تشكيل لوحات مؤثرة، مع استخدام القماش والشبكات المعدنية والخشب، رابطاً أفكارهُ مع المواد المَمزوجة بالألوان، المُعبّرةِ عن (ثيمة) اللوحة، حيث استخدم عناوينَ متعددةً للوحاته، مثل: (سقوط، رؤية جديدة، من وحي الخليج، ترنيمات شرقية، لغة الصحراء، حروف من الصحراء، تكوين، حوار، غروب في الصحراء..) والذي يتصفح هذا الكتاب، يتعرّفُ على أشكال الحياة، والمفاهيم والتراث القطري، بصورة فنية وراقية، تكفي عن آلاف الصفحات المكتوبة. لقد أسعدَنا الفنان (يوسف أحمد) بهذا المعرض، وهيّض أشجاناً حسبناها تلاشت وسط زحام الحياة وآلامها، وأعادنا إلى طيبة وحنان المكان، وإلى ألوان الحياة، التي شوهتها الألوان الصاخبة، والحتميات التي لا تقبل القسمة على اثنين!؟ ونستخلص من معرض الفنان (يوسف أحمد) قيمةَ الإخلاص للموهبة، والتَعمّق فيها، وسبرَ أغوار ما يكتنفها من غموض، وهذا ينطبق على جميع الأشكال الإبداعية، فكَم من الفنانين عاصروا الفنان (يوسف أحمد)، ولكن لا يوجد (يوسف أحمد) إلا (يوسف أحمد)، وكم من كُتّاب الأغنية العاطفية في مرحلة الرومانسية للأغنية القطرية، إلا أن الدكتور (مرزوق بشير) ظلّ الأبرز في ذلك، وكَم من الملحنين مارسوا التلحين خلال حقبة الفنان الراحل (عبدالعزيز ناصر)، إلا أن (عبدالعزيز) ظلَّ هو (عبدالعزيز) دون نسخة ثانية! وهذا ما نرجوه من كُتّابنا وفنانينا وملحنينا أن يتعمَّقوا في مجالهم، وأن يُخلصوا له، وأن يستلهموا الأفكارَ الجديدة غير المطروقة، حتى يُسعِدوا المتلقين، ويُحققوا لبلدهم السبقَ في مجال الثقافة والفن.