10 سبتمبر 2025
تسجيلالتعدد الفكري في المجتمعات صحي من أجل نهضته السياسة يجب ألا تشكل الهم اليومي للمواطن القطري البرلمان القادم لن يكون سياسياً فقط، ولا نريده كذلك منذ أن بدأ الحصار على قطر والسؤال الذي يطرح كثيراً، هل بات الوعي السياسي مهماً للمواطن القطري، هل حان الوقت للبدء في حملة صناعة وعي سياسي وطنية على كافة المستويات وبكل الطرق والوسائل، بحيث تصبح السياسة جزءا لا يتجزأ من حياة المواطن القطري ؟. وتزداد أهمية هذا السؤال كلما تردد في المكان الذي يدور فيه النقاش كلمة "البرلمان القادم"، وهو استحقاق انتخابي مهم يؤكد من يطرح الأسئلة التي ذكرناها أنه يجب أن يكون المحرك الرئيس لصناعة الوعي السياسي. لكنني في الحقيقة أرى العملية من منظور مختلف نوعاً ما، وأسأل نفسي السؤال ذاته، هل نحن بحاجة لصناعة وعي المجتمع السياسي، على الأقل من أجل البرلمان القادم ؟ الإجابة لا، وذلك لعدة أسباب: أولاً: يجب ألا نفرض على المجتمع توجهاً فكرياً معيناً بسبب أزمة، فهل لو أن الأزمة التي نعيشها اليوم كانت رياضية فإننا سنقوم بصناعة وعي المجتمع رياضياً ؟ ماذا لو كانت اقتصادية ؟ هل سنصنع وعياً اقتصادياً لدى الناس، يجب أ لا تكون صناعة وعي أي مجتمع تعتمد على الأزمات، ويكفي أن يكون أي عضو في أي مجتمع واعيا بحقوقه وواجباته ومسؤولياته فقط. ثانياً: لا أعرف سبب النظرة الضيقة للبرلمان القادم على أنه سياسي بالمطلق، وكأن الناس يجب أن يستعدوا له على المستوى السياسي، قد يكون صداه كذلك، وقد تكون بعض مواضيعه، وقد تكون بعض تفاعلات المجتمع الدولي مع ما يحدث فيه، لكن السياسة ليست المالك الوحيد لقبة البرلمان، بل إن المجتمع بكل قضاياه سيكون حاضراً، وبالتالي فإن المجتمع وأفراده المؤهلين للانتخاب يجب أن يكونوا واعين باختيار الأفضل من أجل المصلحة العامة، من أجل قضايا المجتمع السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية وغيرها. ثالثا: كيف سيتم بناء الوعي السياسي هو محل الاختلاف، فهل يبنى على التوجه الحكومي الرسمي، أم على التعددية الفكرية والناس تختار مشاربها، أم على أطر يتفق عليها الجميع، المجتمع والحكومة والقيادة، كلها أسئلة مثار جدل وستبقى كذلك حين من الدهر، لهذا يجب ألا يفرض على المجتمع ما قد لا يرغب فيه. رابعاً: يجب ألا تكون السياسة جزءا من حياة كل مواطن، لم ينجح في هذه الأزمة السياسيون فقط، ولم تكن هذه الأزمة سياسية فقط، نحتاج للاقتصادي الذي لا يعير السياسة الاهتمام، والرياضي الذي لا يفقه في السياسة، والطبيب وغيرهم، إن عرفوها فهي إضافة لهم وللمجتمع الذي قد يشاركونه اهتمامه، وإن ركزوا على قطاعاتهم فلا حرج في ذلك. المجتمع يحتاج إلى صناعة وعيه في قضاياه الخاصة، التي تشكل همه اليومي، قوته وحقوقه، حاضره ومستقبله، حقوقه قبل واجباته، يحتاج لتعزيز الهوية الوطنية التي من أجلها سيذهب ليقترع ويختار الأفضل ولو على حساب أخيه وابن عمه. وقد يقول البعض إن الوعي السياسي جزء من الوعي الاجتماعي، والفهم العام للسياسة صحي، وأنا اتفق مع هذا الرأي، لكني أختلف مع تبنيه والبناء عليه بفرض السياسة كـ هم يومي وفرض أساسي على أفراد المجتمع، فالتعدد الفكري وتنوع الاهتمامات صحي لأي مجتمع. مع ما نشاهده الآن في هذه الأزمة من دول الحصار، فإني أرى أن الأولوية هي محاربة صناعة الوعي الزائف التي تصنعها دول الحصار، ومحاربة أي عمليات تضليل وعي يمكن أن يتعرض لها الأفراد أو المجتمع من أي طرف خارجي. وحتى على المستوى المحلي، بات لزاماً على الإعلام والمؤسسات التعامل بشكل أعلى من الشفافية مع المجتمع، والتعاطي مع قضاياه بشكل أسرع وأعمق وأكثر تحليلاً بما يساهم بمعرفته بحقوقه وواجباته. نقص الوعي أيضا في أي مجتمع مشكلة، لأنه يفتح باب السماح بقول تضليله، لذلك على كل جهة أن توعي بقضاياها بشفافية تامة، ووفق كل الحقائق وبتجرد، وترك "عقل المواطن" يختار الطريقة المناسبة لفهمها، الاهتمام بها، والتعاطي معها.