09 سبتمبر 2025

تسجيل

هنية.. الفكرة لا تموت

06 أغسطس 2024

منذ بزغ الفجر الأول في التاريخ، كانت الأفكار هي المحرك الأساسي للفرد للتغيير والتقدم والبناء، كانت الفكرة هي التي تشعل الثورات وتحقق التحولات في المجتمعات في طريقها لبناء الحضارات، وباختلاف الأفكار وأسبابها وبيئتها وصعوبتها أو تعقيدها أو بساطتها، فإنها تعيش بحجم نبلها، وارتباطها بمحيطها، وتكوينها الثقافي والديني والاجتماعي داخل قلوب الشعب الذي يحتضنها، رغم كل محاولات القمع التي تتعرض لكنها.. لكنها تبقى حية لا تموت. وعلى مر العصور كانت فكرة المقاومة أنبل الأفكار، وأعلاها شأناً، وأبقاها حياة في قلوب وتاريخ وثقافة الشعب المقاوم، لهذا عندما فتأ الغرب لهذه الفكرة غير أهدافه من غزو عسكري للدول إلى غزو ثقافي أو سيطرة اقتصادية استهلاكية، لأنها قادرة على تغيير أو قلب المعادلة في المجتمعات الضعيفة دينياً. لا أحد منا يعرف شكل أفلاطون أو سقراط، لكننا نعرف أفكاره، لا أحد منا عايش ابن خلدون لكننا نستأنس برأيه في كثير من المواقف اليوم، والمهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ ونيسلون مانديلا والقائمة طويلة في العصر الحديث والقديم. ومن حركات التحرر الهندية إلى حركة التحرر الجزائري إلى حركة التحرر الفيتنامية ثم حركة التحرر من نظام الفصل العنصري إلى أعظم حركة مقاومة وتحرر وطني في فلسطين، كلها بدأت عبر أشخاص مروا في التاريخ، بقيت ذكراهم، لكن فكرتهم عاشت، وبقيت، وكبرت، وستظل عموداً يبنى عليه في هذه الدول، وتعود إليه كلما حاد فريق أو جيل عن الطريق. رحل إسماعيل هنية، شهيداً مرفوع الرأس، رجل نعرفه وخبرناه خلقاً وعلماً وأدباً وقبل ذلك مقاوماً شرساً ومناضلاً شريفاً، رحل ونحن الذي نعرفه، وأبناؤنا لا يعرفونه، وأحفادنا القادمون وأحفاد أحفادنا لن يعرفوا عنه بقدر ما عرفناه ولن يجلسوا معه أو يسمعوا منه ما سمعناه، رحل مثل أحمد ياسين وكل قسامي نعرف اسمه أو لا نعرف اسمه، لكنه مثل كل إخوانه الشهداء والمقاومين سيبقى تاريخاً في نضال شعب، ومقاومة أمة، سيتحول اليوم من رئيس المكتب السياسي لحركة مقاومة، إلى شهيد ومثل أعلى لأجيال قادمة مناضلة في فلسطين، وأجيال محبة وداعمة لفلسطين وأهلها في كل العالم. رحل إسماعيل هنية غدراً من قبل العدو الصهيوني، كما كان يريد هو، وكما كان يتمنى، وكما كان يرغب منذ اليوم الأول لانضمامه لحركة مقاومة مسلحة مثل حماس، لم يفعل الكيان الصهيوني سوى أنه أهداه ما أراد، وقدم له ما سعى له، وأسعد قلوب أهله ومحبيه بشهادته بعد عقود من النضال. غير المستوعب ولا مطروح إعلامياً أن عداءنا للكيان الصهيوني لا يقوم على أساس تفرضه علينا حماس أو فتح أو غيرهما، بل هو واجب ديني لا يحاد عنه، ولا يقبل التفاوض عليه، وإن تفاوض كل الساسة وكل الحركات. الأفكار لا تموت، لهذا فإن إسماعيل هنية حي في التاريخ النضالي الفلسطيني.. وسيبقى، وسيأتي آلاف من الذين يقتدون بمسيرته ونضاله كما كان يريد وينبغي. الأفكار لا تموت.. فهي تمتلك قوة استثنائية للبقاء والنمو، حتى في أصعب الظروف. الأفكار تلهم الأجيال، وتحفز التغيير، وتظل رمزًا للأمل، وتظل حركات المقاومة رمزًا للإرادة الإنسانية في مواجهة الظلم والقهر. إن نضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه.. كل الأرض سيستمر، وسيبقى إرث أبو العبد وكل مقاوم مناضل فلسطيني من كل الأرض الفلسطينية وحركاتها المقاومة، وسيكون نبراساً لكل الأجيال القادمة للمقاومة، وطريقاً للسير عليه، في فلسطين، وخارجها، حتى تحرر الأرض.. كل الأرض.. أو ينطق الحجر والشجر: يا مسلم يا عبدالله.... سقى الله أبا العبد من نهر بارق.. الرجل الذي قدم روحه من أجل دينه، وقبلة المسلمين الأولى، وأرضه ودمه وأهله وماله، وهذا لعمري حلم كل مسلم.. وأمله.