10 سبتمبر 2025

تسجيل

السقوط الأخلاقي في المجتمعات (فرنسا أنموذجاً)

30 يوليو 2024

يشهد العالم مجموعة من التغيرات السريعة والمتلاحقة في مختلف المجالات ويتزامن مع هذه التغيرات تزايد ظاهرة السقوط الأخلاقي، والتي تعتبر أحد التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات اليوم، حيث إن هذا السقوط يؤدي لتدهور القيم والمبادئ الأخلاقية التي تعيش بها المجتمعات والأفراد. ويُظهِر الأفراد الذين يعانون من هذا السقوط سلوكيات وتصرفات تخالف المعايير الأخلاقية والاجتماعية المتعارف عليها. يمكن أن يكون هذا السقوط نتيجة لعوامل متعددة تشمل التربية، البيئة الاجتماعية، الظروف الاقتصادية، والتطور التكنولوجي. فقد يكون للتربية الغير سليمة دور كبير في تكوين شخصية غير ملتزمة بالقيم الأخلاقية. إذا لم يتلقّ الفرد من صغره توجيهات أخلاقية صحيحة، فإنه قد يجد صعوبة في التمييز بين الصواب والخطأ كما تلعب البيئة المحيطة بالفرد دورًا كبيرًا في تشكيل سلوكياته. المجتمعات التي تفتقر إلى النموذج الأخلاقي قد تساهم في تدهور القيم الأخلاقية لأفرادها. الفقر والبطالة أيضا يمكن أن يدفعا الأفراد إلى اتخاذ سلوكيات غير أخلاقية في محاولة لتأمين حياتهم ومتطلباتهم الأساسية، وعلى الرغم من الفوائد العديدة للتكنولوجيا، إلا أن استخدامها السيئ قد يؤدي إلى انتشار السلوكيات الغير أخلاقية، مثل الجرائم الإلكترونية، والتنمر عبر الإنترنت. ويؤدي السقوط الأخلاقي إلى تدهور القيم الأخلاقية إلى تفكك العلاقات الاجتماعية وزيادة العداوة وعدم الثقة بين الأفراد، وعندما يسود الفساد وانعدام الأخلاق في المؤسسات، حيث يؤدي إلى انهيار المؤسسات وفقدان الثقة فيها وارتفاع معدلات الجريمة والأضرار النفسية للمجتمع. وبعد ما شاهدناه في حفل الأولمبياد من الإساءة للنبي عيسى ابن مريم عليه السلام وردود الفعل الدولية، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هذا هو السائد في فرنسا بشكل خاص والغرب بشكل عام، حيث تعاني فرنسا من ظاهرة التراجع الديني الملحوظة، وتتناقص نسب المتدينين بشكل ملحوظ على مر العقود الأخيرة. هذه الظاهرة تتجلى في انخفاض نسبة الأشخاص الذين يمارسون الشعائر الدينية بانتظام، وانحسار تأثير الكنيسة في الحياة العامة والسياسية. وقد بدأت ملامح التراجع الديني في فرنسا منذ الثورة الفرنسية عام 1789، حيث تم فصل الدين عن الدولة وتعزيز القيم العلمانية، ومع تقدم العلوم والتكنولوجيا وانتشار التعليم، بدأت القيم الدينية التقليدية تفقد جاذبيتها لدى العديد من الفرنسيين، خصوصاً بين الشباب، فحسب الدراسات الحديثة، فإن نسبة الفرنسيين الذين يعرّفون أنفسهم كمسيحيين قد انخفضت بشكل ملحوظ، مع ارتفاع نسبة غير المتدينين أو الملحدين، كما أن نسبة الأشخاص الذين يحضرون القداس أو الصلاة بانتظام قد تراجعت بشكل كبير. العديد من الكنائس في فرنسا تواجه نقصاً حاداً في الحضور والتمويل. ومع زيادة الهجرة وتنوع السكان، أصبحت فرنسا مجتمعا متنوعا دينيا، مما أثر على المشهد الديني التقليدي في البلاد، كما ازداد الاهتمام بالقيم الفردية والحرية الشخصية، مما أدى إلى تراجع الاهتمام بالانتماء الديني الجماعي. لذلك تنتشر اليوم في فرنسا ظواهر عديدة مثل ارتفاع معدلات الجريمة والتخريب والتعدي على الممتلكات العامة والتنمر واحترام حقوق الأفراد وكرامتهم، ويلعب الاعلام الفرنسي دورا كبيرا في ذلك حيث إن كثيراً من البرامج التلفزيونية والمحتويات الإعلامية تشجع على السلوكيات غير الأخلاقية أو السطحية، مما يؤثر سلبًا على القيم العامة في المجتمع. ولا شك أن فرنسا الحديثة لها تاريخ غير مشرف ومخزٍ في معاداة الإسلام تحديداً من سن القوانين إلى الهجوم الرسمي والإعلامي المستمر من الرئاسة حتى أصغر صحيفة صفراء. وهنا لا بد أن نستذكر رأي العالم المسلم ابن خلدون، في رؤيته العميقة حول صعود وسقوط الدول، حيث يبرز أهمية الدين كعامل رئيسي في بناء واستمرار الحضارات، ويؤكد أن استهانة الحكام بالدين ليست مجرد إهمال لقيم روحية، بل هي إضعاف لأسس الشرعية والتماسك الاجتماعي. السقوط الأخلاقي هو تحدٍ كبير يتطلب تضافر جهود الجميع لمواجهته. من خلال التربية السليمة، ودعم القيم الأخلاقية، وتحسين الظروف الاقتصادية، يمكننا بناء مجتمع أكثر استقرارًا وتماسكًا. إن الأخلاق هي العمود الفقري لأي مجتمع ناجح، والمحافظة عليها هي مسؤولية كل فرد في هذا المجتمع، والهجوم اليوم على القيم الدينية والأخلاقية في المجتمعات لا حدود له ومدعوم بأقصى درجاته، ويتطلب وقفات رسمية قبل الفردية الشعبية أو الجماعية.