09 سبتمبر 2025
تسجيلالغوغائية السياسية ظاهرة تتسم بالاستغلال السياسي للعواطف الجماهيرية دون الاعتماد على أساس منطقي أو أدلة واقعية. تُستخدم فيها لغة بسيطة وعاطفية تستهدف الحشود بهدف تحريضها أو توجيهها نحو تحقيق مصالح شخصية أو أجندات سياسية معينة. تُعتبر هذه الظاهرة واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الأنظمة الديمقراطية، حيث يُمكن أن تُحول الرأي العام إلى أداة بيد السياسيين الشعبويين. الغوغائية تعود إلى العصور القديمة. في أثينا القديمة، كان هناك من يُعرفون بـ»الديماغوجيين»، وهم زعماء سياسيون استخدموا الأساليب الخطابية المثيرة للتأثير على المواطنين وتحقيق أهدافهم الشخصية. هذه الظاهرة استمرت عبر التاريخ، حيث استغل القادة السياسيون في مختلف الحضارات مشاعر الجماهير لتحقيق مآربهم. في التاريخ العربي هناك رؤساء كثر استخدموا هذا الخطاب الغوغائي سواء في فترات من حكمهم كفترة مناداة عبدالناصر بالاشتراكية ثم القومية العربية التي تخلى عنها في كل مرة حسب مصالحه، أو بشكل مستمر كما كان العقيد المهزوم معمر القذافي. وتستند الغوغائية السياسية إلى عدة أدوات منها الخطاب العاطفي الذي يعتمد على إثارة العواطف بدلاً من تقديم حجج منطقية: وتسطيح القضايا المعقدة لجعلها تبدو أكثر وضوحًا وسهولة للجماهير. هذا التسطيح المغلف بالتبسيط غالبًا ما يكون مضللًا لأنه يتجاهل جوانب مهمة من القضية. لكن أبرز الأدوات هي التي تستخدمها كثير من الدولة وخاصة الولايات المتحدة ضد شعبها وخصومها، فضد شعبها تستخدم التخويف والتهديد بالضرر ورفع شعار الحفاظ على الأمن القومي وأن الأمة في خطر دائم والعمل العسكري هو الحل لإنقاذ أمريكا، بينما تستخدم هوليوود والإعلام والمؤسسات الدولية ضد خصومها عبر شيطنتهم لتوحيد الجماهير ضد دولة (روسيا) أو دين (الإسلام) أو ثقافة تجعل مواطنيها في حالة عداء دائم معها. لكن الغوغائية السياسية تُحدث أضرارًا جسيمة على النظام السياسي والاجتماعي. فهي تُضعف الثقة في المؤسسات الديمقراطية وتُحول النقاش العام إلى معركة عاطفية بدلاً من حوار فكري. يُمكن أن تؤدي أيضًا إلى تزايد الاستقطاب والانقسام داخل المجتمع، حيث يتم تصوير كل من لا يتفق مع الغوغائيين على أنه عدو أو خائن. أندرو جاكسون، الذي شغل منصب الرئيس السابع للولايات المتحدة من 1829 إلى 1837 كان من أبرز الغوغائيين. ويعتبر من أوائل الرؤساء الشعبويين في تاريخ الولايات المتحدة، واستخدم تكتيكات غوغائية كثيرة لتحقيق أهدافه السياسية مثل الخطاب الشعبوي في تقديم نفسه كمدافع عن «الرجل العادي» ضد ما وصفه بالنخب الفاسدة في واشنطن. واستخدامه خطابًا معاديًا للسكان الأصليين، واعتبرهم عقبة أمام تقدم الأمة الأمريكية. هذا الخطاب كان جزءًا من سياسته المعروفة بـ»مسار الدموع»، حيث أجبر عشرات الآلاف من السكان الأصليين على النزوح من أراضيهم في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة إلى أراضٍ غرب المسيسيبي، مما أدى إلى وفاة العديد منهم. وشيطن المعارضين وخلق حالة عداء بين الشعب والكونغرس الذي كان يعارض سياساته. غوغائية جاكسون أسست نمطًا شعبويًا في السياسة الأمريكية، حيث تم تقديم الرئيس كمدافع عن الشعب ضد النخب. وهي نفس الفكرة التي عاشت حتى جاءت بدونالد ترامب الذي يقوم بنفس الدور مع تغيير العناوين الرئيسية، الذي يشيطن الديمقراطيين (بدلا من النخب الفاسدة) ويعادي العالم (كتخويف خارجي للشعب) ويهاجم المهاجرين ( بدلاً من السكان الأصليين) ويخلق عداء بينه وبين كل مؤسسات الدولة التي تعارضه. الغوغائية السياسية سلاح ذو حدين. ففي حين أنها قد تمنح السياسيين الغوغائيين قوة سريعة وتأثيرًا فوريًا كما حدث في فترة حكم ترامب الأولى، لكنها تُحدث أضرارًا طويلة الأمد على المجتمع والدولة كما هو حاصل في أميركا الآن .. وقد يجعلها بداية لنهاية أقوى دولة في العالم قريباً.