13 سبتمبر 2025

تسجيل

حصار الشعب القطري

31 يوليو 2017

غبتُ عن قطر حوالي أسبوع، لأجدني أمام كومة من الجرائد القطرية التي تناولت آثار الحصار "الأخوي" على الشعب القطري من قبل "الأشقاء"!وللأسف، لم يشهد تاريخ منطقة الخليج العربي منذ القرن الثامن عشر مثل هذا الحصار، ولم يعرف شعب الخليج القطيعة والجور في الإيذاء، بل كان دومًا مع نُصرة الملهوف، والنخوة والنجدة ودرء الأخطار عن الأشقاء.وللأسف، فإن الخلافات السياسية هذه المرة مسّت المواطنين، ما تسبب في خسائر مادية وإيذاءات نفسية وعائلية. ومن العناوين التي استوقفتني: - خسارتي 24 مليون ريال شهريًا من 18 شركة اقتصادية.- 410 آلاف ريال خسارة تجارتي في توريد ونقل الأسماك لدول الجوار.- قطريون يخسرون 26 مليون ريال استثمارات في الثروة الحيوانية بالسعودية.- قطريون خسروا عقارات بدبي والشارقة والسعودية قيمتها 26 مليون ريال.- الحظر الجوي أضاع إيجارات عقارات في دول الحصار.- ألغيتُ عرس ابني وخسرت بيتي في السعودية.- 2222 شركة من دول الحصار تعمل في الدوحة.- خسارتي 10 ملايين ريال في تجارة القهوة والتمور والبهارات.- خسارة 4 ملايين ريال في تجارة 65 رأس إبل.- خسرت 6 ملايين قيمة استثماراتي العقارية في دبي والبحرين.- 30 ألف مقيم حُرموا من الوصول إلى بلدانهم برًا بسبب الحصار.- اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان تحيل 2945 شكوى للجنة التعويضات.- المفوضية السامية لحقوق الإنسان و10 منظمات إنسانية ترفض استمرار الحصار.- 3883 مراجعًا من مواطني دول الحصار استقبلتهم مؤسسة حمد في يونيو الماضي.العناوين كثيرة ومثيرة تتناول مئات المواطنين الذين لا دخل لهم فيما يجري في عالم السياسية! ولقد ارتبكت حياتهم بصورة غير متوقعة. السؤال هنا: لماذا يطال الحصار وتبعاته خصوصيات المواطنين؟ وهل يجوز شرعًا وقانونًا حرمان إنسان من حقه في أملاكه أو أرصدته أو علاقاته الأسرية؟ لقد حصلت أزمات كثيرة بين الدول العربية، ولكن لم يحصل أن تمت مصادرة حق المواطنين في الدول المجاورة في العيش الآمن ضمن دولة القانون. ومن الناحية الأخلاقية فإنه لم يسبق حرمان الأب من أبنائه أو منع الزوجة من الالتحاق بزوجها من الجنسية الأخرى!وطوال مدة الخلاف بين دولة قطر والبحرين حول حزر (حوار) لم تصل الأمور إلى قطع الأرحام أو حرمان المواطنين من التمتع بحقوقهم الإنسانية والمادية! وحتى في حادثة الاعتداء السعودي على مركز (الخفوس) عام 1992، لم تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في حالة الحصار الحالي المفروض على دولة قطر.أحيانًا يتراءى للمرء أنه أمام فيلم هوليوودي غرائبي صعب التصديق، نظرًا لواقع الحال بين شعوب دول الخليج العربي، ودول أعضاء في مجلس التعاون!في مقابل كل الإيذاءات التي وُجِّهت لقطر من دول الحصار، لم تقم قطر بأية خطوة ضد أي من أبناء دول الحصار، بل إن جامعة قطر سهَّلت أمور الطلبة من تلك الدول، ولم تحرمهم من تقديم امتحاناتهم. كما أن مؤسسة حمد الطبية -كما ورد سابقًا- قد استقبلت 3883 من مواطني دول الحصار، شأنهم شأن القطريين والمقيمين على أرض قطر! وكان هذا الرد السليم والسامي من دولة قطر، رغم كل حالات العداء والتعرض للحُرمات والمساس برموز دولة قطر في الإعلام المضاد، والذي تخلى عن كل قيم المهنة، وضرب بعرض الحائط أساسيات العمل الإعلامي الذي يحترم عقلية المتلقي.لا بد أن يعود الوعي لأصحاب القرار في دول الحصار، وألا يتم العبث بأرزاق الناس من القطريين وغيرهم من الذين لديهم تجارة وحلال في دول الحصار! وأن يظل الخلاف فوق الطاولة، تبحثه العقول الراقية التي تريد الحفاظ على الأمن والرخاء، وتجنيب المنطقة الأخطار الجسيمة نتيجة اختلافات في المواقف السياسية.أخبرني وزير سابق في دولة خليجية -ونحن في مطار محمد الخامس بالمغرب- بأن كل مواطني بلده مع قطر، بل إنه حُرم زيارة أبناء عمومته في قطر منذ الحصار. وقال: للأسف، هذا يحصل بين دول خليجية، وإن المواطنين في بلده يرفضون الحصار، ولا يقرونه، لكنهم خائفون من التعبير عن ذلك.إن زرع الخوف في قلوب المواطنين وإجبارهم على قبول الباطل عبر قوانين صارمة تمنع تواصل الأقارب، وهو حق إنساني موثق في الأمم المتحدة، وهو حق اجتماعي نظرًا للوشائج الضاربة في عمق التاريخ بين شعوب الخليج! ولا نستبعد في ظل الغليان الداخلي، والصمت والخوف من التعبير أن يُحدث ذلك انفجارًا داخليًا في بعض الدول، سوف تصعب مواجهته أمام التحديات التي تمر بها المنطقة، والتغيّرات في أشكال "الكراسي" والتنازع حولها! ما يمكن أن يخلق أوضاعًا جديدة تقلب العروش، وتخلط الأوراق، لأن القهر والعبودية وفتح السجون ليست من أدوات الدولة الحديثة، أو الدولة الوطنية. لذا، لا بد للمستشارين المحيطين بأصحاب القرار أن يقولوا كلمة الحق ويُبصّروا أصحاب القرار في دول الحصار بحقيقة المشهد الآتي، والذي لا نرجوه لإخواننا في الدول الشقيقة.كما أنني أتعجب، كيف يقابل أصحاب قرار الحصار ربَهم في صلواتهم، وهم يعادون دولة شقيقة، ويلحقون الأذى بأهلها وأهلهم؟ ورسول الأمة عليه الصلاة والسلام يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه)، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم لعلكم تُرحمون" (الحجرات: 10).ألم أقل لكم إننا أمام فيلم هوليوودي غريب؟