19 سبتمبر 2025

تسجيل

معدل النمو لا يزال أقل بكثير من معدلات النمو التاريخية

31 يوليو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); صحيح أن الاقتصاد الصيني نما بوتيرة أسرع من المتوقع خلال الربع الثاني من العام الحالي وبلغ 6.7%، إلا أن هذا المعدل لا يزال أقل بكثير من معدلات النمو التاريخية التي كان يسجلها وتتجاوز الـ10% على مدار عقدين، واعتبر بذلك الاقتصاد الأسرع نموا في العالم. والتوقعات -وهذه تمثل جزءا من أسباب تباطؤ النمو العالمي- لا تشير إلى عودة الاقتصاد الصيني للنمو وفقا للمعدلات التاريخية التي اشتهر بها. ولا يعود ذلك، كما هو الحال بالنسبة للكثير من الاقتصاديات المتقدمة والنامية، إلى حالة شبه الركود الاقتصادي العالمي الحالية، بل إلى تغيرات بنيوية شهدها الاقتصاد الصيني منذ أواسط العقد الماضي وبدأت تظهر نتائجها على مدار العامين الماضين. إن أي نموذج اقتصادي للتنمية تتبناه أي دولة في العالم له جوانب إيجابية وله جوانب سلبية. فمثل هذه النماذج محكومة بمدى قدرتها على التكيف مع التقلبات العالمية بين مد وجزر. ومن الواضح عند الحديث عن النموذج الصيني للنمو الاقتصادي، أننا نتحدث عن اقتصاد قائم على الصادرات منذ التحرير الاقتصادي عام 1978. وقد حقق هذا النموذج نجاحات باهرة وجعل الصين تحتل اليوم المرتبة الثانية من حيث حجم الاقتصاد بعد الولايات المتحدة، وبات يشار إليه بأنه قاطرة النمو الاقتصادي العالمي.وعدا عن أي نموذج اقتصادي قد يستنفذ أغراضه بعد فترة من الزمن بفعل عوامل ذاتية مرتبطة بقدرته على الاستجابة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، فقد ساهمت أيضا عوامل خارجية كثيرة في كبح جماح معدلات النمو العالية للاقتصاد الصيني، لعل في مقدمتها زيادة تنافسية البلدان المجاورة من جهة، وتواصل التباطؤ الاقتصادي لفترة طويلة من الزمن في البلدان المستوردة للصادرات الصينية.ويمكن القول إن المسؤولين في الحكومة الصينية استشعروا في السنوات الأخيرة وبالذات بعد الأزمة العالمية عام 2008 الحاجة لتطوير النموذج الاقتصادي القائم أساسا على نمو الصادرات. وبدأت بالتحرك وفقا لرؤية تهدف إلى جعل النمو محكوما بعوامل داخلية أكثر منه خارجية. لذلك أعربت عن رغبتها في التوجه لتطبيق نموذج قائم على الاستهلاك بعد عقود من اعتمادها على عائدات الصادرات للاستثمار محليًا وتحقيق النمو الاقتصادي.وضمن سياستها الجديدة لتشجيع الطلب والاستهلاك الداخليين، شجعت الصين المستثمرين في الأسواق الصينية على التوجه نحو أدوات جديدة بعيدة عن الأدوات التقليدية، فازدهرت أدوات الاستثمار في الديون والرهن العقاري ودعم هذا التوجه ظهور طبقة متوسطة ذات توجهات استهلاكية جديدة تتماهى مع النمط الغربي للاستهلاك والذي يتطلب بنى تحتية عقارية وسكنية وترفيهية مكلفة يلزم لتمويلها إيجاد آليات تمويل جديدة كالرهن العقاري وبيع الديون وغيرها على غرار النمط الأمريكي في التمويل، مما نتج عنه في النهاية أيضا فقاعة تمويل عقاري صينية الصنع هذه المرة. أخذت هذه الفقاعة دورتها الطبيعية منذ بدايات 2013، وواضح أنها انفجرت في منتصف يونيو 2015 الماضي بسبب تداعيات الموجة الأولى من التخلف عن السداد.وقد خلق هذا الوضع وضع اقتصادي جديد يسير في مسارين مختلفين، أحدهما قائم على الخدمات والاستهلاك، لكنه مثقل بآخر قديم يظهر في اتجاه متباطئ من الصناعات مثل الصلب والتعدين والذي يعاني من عدم الفعالية والطاقة الفائضة. وامتد كلا المسارين في سوق العقارات في البلاد الذي يتميز بالحجم الكبير في المدن متوسط وصغيرة الحجم، والطلب القوي في المدن الكبيرة. ومما فاقم الوضع إصرار القيادة السياسية على الالتزام بأهداف النمو المرتفعة والاعتماد على الائتمان لإنتاج المستهدف.كما يعاني التمويل الصيني من سوء التوزيع، إذ يتركّز على القطاعات الأقل كفاءة في الاقتصاد والمثقلة بالديون، ونتيجة ذلك تتآكل أسس المعجزة الاقتصادية الصينية بسبب عبء الديون التي لا تظهر تراجعًا ملحوظًا. وتتمثل الدعوة الحقيقية للإصلاح في الصين في جهود الحكومة المتأخرة والحقيقية لتحديد حجم الاقتراض الحكومي المحلي. وقام مكتب التدقيق الوطني في الصين بأولى محاولاته لتقييم حجم الدين الحكومي في عام 2010 والذي بلغ آنذاك 26% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ في منتصف 2013 نحو 32%، في حين أشار آخر إحصاء للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لارتفاع الدين بشكل حاد ليصل إلى 47.5% من الناتج المحلي في نهاية العام الماضي.ولطالما تفاخرت الصين الأمم بنظامها الاقتصادي الليبرالي الذي يعمل تحت نظر حكومة اشتراكية التوجه، وأن الحكومة الصينية تسيطر بشكل محكم على جميع مفاصل القطاع الاقتصادي بما يشكل درعا واقيا من أي تأثير سلبي لآليات السوق الحر الخاضع لتقلب دوراته المتعددة. لكن الواقع يثبت الآن ضعف هذه السيطرة، وبات على المسؤولين الصينيين البحث عن نموذج اقتصادي جديد أكثر مرونة وتنافسية.