01 نوفمبر 2025

تسجيل

تركيا: الحرب الدفاعية!

31 يوليو 2015

تجري العمليات العسكرية التركية ضد عناصر حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية، كحالة من حالات الحرب الهجومية، إذ تهاجم الطائرات وتقصف المواقع التي يتمركز فيها مقاتلو "الحزب" على الأرض العراقية و"التنظيم" على الأرض السورية، كما تقصف المدفعية التركية مواقع داخل الأراضي السورية من مرابضها داخل تركيا.غير أن الحروب لا تتحدد طبيعتها،أو ما إذا كانت هجومية أو دفاعية،من خلال تتبع طبيعة تكتيكاتها العسكرية، بل بالأساس،من خلال تحديد أهدافها السياسية،حيث الحرب ليست إلا امتدادا للسياسة بآلات الحرب.وفي الأهداف السياسية. تبدو الحرب التركية بوضوح حرباً دفاعية. إذ يشير القادة الأتراك ويؤكدون أنهم يشنون العمليات العسكرية للرد على أعمال إرهاب وتفجير وقتل جرت في داخل تركيا ومن داخل الحدود السورية،كما يؤكدون على عدم دخول قواتهم للأراضي السورية –حتى لا تبدو العمليات حرب احتلال لأراضي الغير- والأكثر إيضاحاً للطبيعة الدفاعية لتلك الحرب التركية، هو أنها تستهدف درء خطر تشكيل دويلة كردية في شمال سوريا – كنواة لتشكيل دولة كردية تضم المناطق الكردية في العراق وتركيا وإيران مستقبلاً-على حدودها الجنوبية، ولمنع تنظيم الدولة الإسلامية من تشكيل فاصل جغرافي سكاني يكمل تطويق الحدود التركية من الأراضي السورية،كما يتزايد وضوح التصريحات بسير العمليات باتجاه تجسيد فكرة المنطقة الأمنة التي حاولت تركيا مراراً وتكراراً اقناع الحلفاء الدوليين بضرورتها داخل الحدود السورية،لتوفير ملاذ آمن للاجئين السوريين ولتخفيف العبء السياسي والسكاني على تركيا ولفتح مساحة استعداد أوسع لتدفق اللاجئين الجدد المتوقع تحركهم من دمشق وغيرها،بالنظر لتطور وتصاعد عدوانية النظام وبسبب توسع مساحة المعارك على الأرض السورية. وإذ يتحدث البعض عن أهداف "داخلية" من إطلاق تلك الحملة العسكرية،فهي الأخرى لا تخرج عن كونها حالة دفاعية تتعلق بمقتضيات الأمن القومي الداخلي لتركيا،التي يتهددها تعمق وضع حزب الشعوب الديمقراطي في لعبة الديمقراطية التركية،دون أن ينفض يده من التعاون مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي –حتى بات متهما بأنه جناح سياسي له-وربما بهدف قطع الطريق على الموقف الأمريكي-الأوروبي المتحرك نحو غسل سمعة حزب العمال الكردستاني وتحويله من حزب إرهابي إلى حزب مقاتل ضد الإرهاب –جراء قتاله تنظيم الدولة-ولذا تحدث أردوغان بوضوح قائلا،إن محاربة حزب العمال الكردستاني ضد داعش لا تلغي الطابع الإرهابي للحزب.وبذلك فحرب تركيا هي حرب دفاعية تستهدف درء المخاطر،وإن أخذت شكل الأعمال العسكرية الهجومية. غير أن الحرب الدفاعية التركية الجارية،ليست مجرد حرب رد فعل،وليست حربا محدودة النتائج أو ذات مدى قصير في التغييرات التي تستهدفها،بل هي حرب سينجم عنها تغييرات ذات طبيعة استراتيجية في البيئة الإقليمية المتقلبة بشدة في هذه المرحلة.فهي حرب تغيير للتوازنات الحالية في سوريا –وربما العراق أيضا-وهي حرب لا يمكن فصلها عن تلك الجارية في اليمن، إذ نحن أمام تشكل خارطة جديدة للقوة واستخداماتها في الإقليم،ولذا لم تكن مصادفة أن جاء أشد التأييد لها من دول في التحالف العربى،باعتبارها إعلان بتقويض قوة وسيطرة نظام الأسد ومن خلفه إيران على الأرض السورية – وقد حرصت القيادة التركية على إعلان أنها لم تتصل مع نظام بشار قبل بدء شن العمليات على الأراضي السورية - إذ نحن أمام أول تدخل عسكري تركي فاعل على الأرض السورية وسعى لتشكيل منطقة للاجئين لا يمكن لطيران النظام قصفها،وهو ما يعني أيضاً، إعطاء موطئ قدم لحكومة المعارضة السورية لتكون على الأرض السورية لأول مرة منذ بدأت الثورة. وهي حرب تشهد حالة مهمة للغاية بين تركيا والولايات المتحدة.حالة مقايضة الأعداء، إذ أطلقت الولايات المتحدة يد تركيا على نحو ما في مواجهة حزب العمال، أينما كان،في مقابل سماح تركيا للولايات المتحدة باستخدام قاعدة انجريلك لشن الهجمات على تنظيم الدولة.وهي الحرب الأولى على محاولات ومخططات لتشكيل دولة كردية على حساب العراق وسوريا وتركيا وإيران.وهي إذ تبدو حربا دفاعية فهي أيضاً حرب وقائية،من مخاطر محتملة –وفق المؤشرات المتواترة- بما يعني حدوث تغيير في العقيدة القتالية للجيش التركي، وهو ما يمثل تغييرا كبيرا في علاقات الإقليم،كما يعيد تشكيل معالم القوة في صراعاته الجارية.