06 أكتوبر 2025

تسجيل

في مواجهة الإحباط والتشويش وخلط الأوراق

31 يوليو 2013

ليس مستغربا أنّ ما يحصل  في عدد في دول ربيع الثورات العربية قد يدعو البعض للإحباط والقنوط والألم، وقد يسبب التشويش وخلط الأوراق ، أو قد يؤدي للوقوف موقف الحيرة وإيثار السلامة لدى بعض الآخر ..وأنا هنا لا أتكلم عن المعارضين لخط التغيير والحراك الثوري الذي بدأ نهاية عام 2010 وبداية عام 2011 ، وإنما عن أشخاص تبنوا هذا الخط أو تعاطفوا معه. والأسباب التي تدعو لما سبق واضحة وكثيرة لعل من أهمها : طول أمد وعظم تكلفة المواجهة بين المعارضين والثوار من جهة والأنظمة والدول التي تدعمها من جهة أخرى ، كما في سوريا، والانقلاب على النظام الشرعي الذي انتخب من الشعب بطرق ديمقراطية من قبل العسكر،  ومحاولة عودة الأجهزة الأمنية وبعض شخصياتها من الشباك بعد خروجهم من الباب، والسعي لفرض حالة الطوارئ، والخشية من الانقسام المجتمعي، واشتداد حالة الكراهية في أبناء المجتمع الواحد، على خلفيات إيديولوجية وحزبية، والخشية من الوصول إلى الاقتتال الأهلي لا سمح الله، كما هو حاصل في مصر، وحالات الانفلات الأمني والقلاقل الحاصلة في دول كتونس وليبيا .. تبدو الحالة الملتبسة في مجملها أقرب إلى أن حلم الشعوب للانعتاق من الديكتاتورية والفساد صار بعيد المنال، أو على مسافة كبيرة من التجسيد على أرض الواقع ، وهو يواجه هذه الانتكاسات والعوائق والتحديات الجمّة، ورغم وجود مشاكل في صفوف الثوار والمعارضة السياسية ، ورغم أن مواجهة  الباطل بكل ركائزه التي تضرب جذورها لسنين وعقود خلت ، قد لا يستغرب منها هذه قوة الرياح العاتية التي تنتصب في وجه أصحاب الحق، إلا أن الملاحظ هو أن جهات متعددة اشتغلت كثيرا من أجل إيصال الشعوب المؤيدة للثورة إلى الحالة التي وصلت إليها ، كيلا يصل قارب الثورة والتغيير إلى شاطئه الآمن ، أو تمتد عدوى الثورة إلى دول لا ترغب أنظمة في المنطقة من أن تصل إليها . ولمواجهة هذه الحالة من الإحباط والتشويش وخلط الأوراق والحيرة لا بد من وضع النقاط على الحروف، حتى لاتتوه البوصلة بأهل الثورات ومناصريهم والمتعاطفين معها ، وعلى النحو التالي: ـ الإدراك بأن عملية التغيير والتحول الديمقراطي عملية طويلة وممتدة ، وأنها قد تختلف من دولة لدولة ، بحسب طبيعة وقوة النظام الذي تتم مواجهته، وحجم الداعمين له، وأهمية الدولة وموقعها ودورها في المنطقة ، وأن العملية حتى تستقر بصفة نهائية كما في الدول الغربية قد تحتاج لسنوات ، وقد تحتاج لكثير من التضحيات التي تسبقها . ـ الاهتمام بالإعلام خطابا ووسائل وكوادر كما وكيفا.. لمواجهة الإعلام المضاد الذي يبدو أنه يلعب عمليا دورا  دعائيا كبيرا  في مواجهة الثورات وأصحابها ، وتغيير الحقائق، وتزييف الوعي، والتأثير على المعنويات والعواطف ، أي مواجهة إعلام مضلل قوي تقف وراءه آلة ضخمة وتضخ لصالحه رساميل كبيرة، وذلك بطريقة مهنية واحترافية، وبرؤية مختلفة. ـ حتى تبلغ  الثورات غاياتها وتتحقق رسالتها النبيلة في التغيير ، لا بدّ من القيام بثورة في حياة الشعوب والمجتمعات، أي حتى يتحقق التغيير المنشود بصفة عامة وشاملة، لا بد من ثورة موازية  في حياة الشعوب من طبيعتها أنها طويلة الأجل، من خلال التربية والاصلاح ، للانتصار على موروث التخلف والفساد الذي استقر في وجدان الناس وطبائعهم، وتغلل في طريقة حياتهم وتفكيرهم، بسبب فساد البيئة التي عاشوا أو يعيشون فيها ، أي أن منظومة الفساد متكاملة، وليست منحصرة في الحكام ومن يدور في فلكهم فقط.  وعلى المصلحين والمربين أن ينشطوا كثيرا في هذا المجال ويعطوه الأولوية ، وإلا سيُوَاجهون بثورات مضادة كثيرة ، من الفئات والشرائح التي تتعارض مصالحهم مع هذه التوجهات. ـ انفتاح أصحاب التوجهات الفكرية والسياسية الذين توحدوا في الحراك الثوري ضد الديكتاتورية على بعضهم البعض، والدخول في خضم تربية سياسية جادة، تتفق فعليا على القواسم المشتركة،  وتضع أدبيات للاختلاف فيما بينهم ، وتتيح المجال للجميع من أجل المشاركة الفاعلة في إدارة مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة، وعدم ترك المجال لإفناء أو إقصاء أي منهم منهم للآخر. والابتعاد عن لغة التخوين والتكفير. ـ التأكيد على أن الاستسلام للصعوبات، والقبول بالعودة للخلف، أي العودة لعهد الأنظمة الديكتاتورية لن يعيدنا إلى نقطة الصفر ، إلى ما تحت الصفر، خصوصا مع انتفاش وزهوّ الباطل، بكل مافيه من شهوة التجبر والانتقام.  ـ رفع المعنويات وتعزيز التفاؤل وتقوية الثقة بالله وبالمستقبل الأفضل، فالنصر والتمكين لأصحاب الحق طال الزمن أو قصر، ومهما بلغت التحديات وانتصبت العقبات في طريق التغيير ، والتأكيد على الصبر على المكاره . ونحن في شهر الصبر والمثابرة رمضان نتذكر مقولة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي قالها لأصحابه في غمرة ضغط المشركين وتعذيبهم للمستضعفين من المسلمين: " ..والله ليتمِّن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون " .. وقد كان له ولأصحابه ما تطلع إليه في معركة التغيير والانتصار على الباطل.