27 أكتوبر 2025
تسجيلقالوا لي: لا تكتب.. فالكتابة لا تسمن ولا تغني من جوع. قالوا لي: قذارة الاحتلال لا توصف، ومفردات اللغة تعجز عن تدوينها. قالوا لي: عتبة الألم فاقت قوة القلم، ومدى الظلم اجتاز سور الأبجدية. لفظتُ القلم من يدي والورقة من أمامي، لكنني لم أستطع التخلص من قيد الحرف الذي يكبلني، لم أستطع هجران الكلمة، ولا طلاق المفردات. ماذا يفعل حافي القدمين في مضمار السباق؟ ماذا يكتب والتراب يغطي رموش الأطفال وشفاه النساء؟ كيف يثني بالحبر على من تلوّن بالدم؟ من أين يبدأ في هذا الظلام الدامس، والكسوف الكلي للحق؟ أحياناً تكون قساوة المشهد أعتى وأمر، أحياناً تشعر بالعجز لأن شيئاً ما يحدث دون أن يكون لك الحق في أدنى ردة فعل. غزة أيها المنطاد المحاصر.. يا ألم السكين وعذاب الطعن. يتسلل الغول إلى أحلامكِ، والشيطان إلى ربيعكِ، والطاغوت إلى زيتونكِ، والغدر إلى غيومكِ. فعلتِ كل شيء من أجل طهارة أرضك، وأعطيتِ دروساً في البذل، وقدمتِ صوراً في العطاء، ونثرتِ عطراً برائحة الكرامة والمنعة والعزة تجاوز حدود الدنيا، فماذا أفعل أنا الذي كسرني غبارك المبارك، وأقعدني وحلك الميمون؟. غزة.. أيها الصوت الهادر في أعماقنا... والقمح النابت على ضلوعنا... والدم الطازج على موائدنا... كما كان لك موعد مع النصر في كل مرة، وكما كان لك وقفة مع التاريخ إثر كل امتحان، وكما كان لك لحظة حسم في نهاية كل معركة، ستكتبين نيابة عن الأقلام الضائعة: «سيهزم الجمع ويولون الدبر».