01 نوفمبر 2025
تسجيلتلوح في الأفق بوادر أزمة غذائية عالمية أفرزها التغير المناخي، والاحتباس الحراري، ونقص المياه والتصحر والجفاف، والزحف العمراني على الأراضي الخصبة، والتأثيرات السياسية والوضع الراهن في منطقة اليورو التي تحاول الخروج من نفق الديون المتراكمة، أضف إلى ذلك تراكمات الإنفاق الاقتصادي والاجتماعي التي لم تبن على الشفافية. فقد حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة من زيادة أسعار الغذاء وتقليص الإنفاق على المنتجات الزراعية التي قد تتمخض عنها مشكلات الفقر والجوع وانتشار الأمراض، إلى جانب زيادة أسعار الطاقة وتذبذب مؤشراتها بسبب النزاعات الدولية.. هذا الأمر يفاقم المشكلة.. ويؤدي بالكثير من الدول إلى استنزاف مخزوناتها الغذائية، وبالتالي ارتفاع أسعار الحبوب الأساسية كالقمح والأرز والصويا وقصب السكر وغيرها. ففي الوقت الذي تدرس فيه أوروبا صياغة آلية للخروج من ديونها.. فهي تعقد اجتماعات مع صناع القرار والخبراء لتدارك أزمة الغذاء التي تأتي في ظروف صعبة مع زمن الانهيارات المالية وأحداث الشرق الأوسط وعدم الاستقرار في الأنظمة الاقتصادية لبعض الدول. وفي تقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية تتحدث عن مخاوف تكرار أزمة الغذاء التي وقعت في 2008 وتداعياتها على التكتلات الاقتصادية وليس الفقراء فحسب، إذ رغم جهود المنظمة في النهوض باقتصاد الغذاء قبل أربع سنوات، وكان بإنشاء برنامج للتصدي للأزمة العالمية وتقديم مساعدات لـ"40"مليون شخص في أكثر من "44" بلداً إلا أنّ الوضع الراهن ينذر بكارثة حقيقية إن لم تسارع الجهود الأممية إلى توحيد عمليات الإنقاذ. وتحدد المنظمة اليوم حاجة أكثر من "37" بلداً نامياً و "20"بلداً أقل نمواً إلى نظام اقتصادي جديد يرتكز على توفير الغذاء من الدول الزراعية والمصنعة بعيداً عن المضاربات السوقية والأرباح والاحتكار. في رأيي أنّ عالمنا الآن بما يعانيه من تمزقات سياسية واضطرابات اقتصادية ومؤشرات متذبذبة لأسعار الطاقة والغذاء والحبوب يجعل الحلول تأخذ طريقاً صعباً، خاصة أنّ الشرق الأوسط الذي يعتبر سلة غذاء العالم بما تحويه أراضيه من ثروات مائية وزراعية يتأرجح بين الاستقرار والاضطراب. ولا يخفى على أحد تأثير هذه الأوضاع على أسعار الأسواق المالية واقتصاداتها الغذائية والتنموية والتعدينية والسياحية والزراعية بدرجة كبيرة، لأنّ المناخ الاقتصادي الآمن هو الذي ينوع مصادر الدخل ثم تأتي بعد ذلك الاستراتيجيات التي تبنى عليها. ولنتحدث عن الأسباب الكامنة وراء نقص الغذاء وهي سوء استغلال الأراضي الزراعية أو الصالحة للزراعة، وسوء أداء الأسواق والتلاعب فيها والمضاربات، والقيود المفروضة على السلع الغذائية، التي زادت من كلفة الإنتاج الزراعي والتصدير وشحن الأغذية وعمليات التصنيع، إلى جانب سياسات التقشف المالية التي تنتهجها الدول أضعفت الدعم الحكومي والمؤسسي للإنتاج الغذائي. وإزاء تلك المخاوف وضع البنك الدولي لأسعار الأغذية أساسيات للمساعدة تمثلت في إجراء دراسات ميدانية لمعرفة أسباب التقلب في الأسعار، وزيادة عمليات التمويل والاستثمارات في الصناعات الغذائية خصوصا في البلدان التي تتوافر فيها مقومات الزراعة، ووضع استراتيجيات لإدارة المخاطر المالية، وإتاحة الفرص أمام تنمية الصناعة المحلية والسلعية، والتنسيق مع شركاء التنمية لتقديم المساعدات والمنح. ومن جانب آخر فقد تبنت الهيئة العربية للاستثمار الزراعي مؤخراً خطة استراتيجية لاستثمار "950" مليون دولار في الدول العربية، وإعادة هيكلة الشركات الزراعية القائمة ومنح القروض ورفع رأس المال، لإيجاد منافذ لاستثمارات جديدة حيث ستركز الجهود القادمة على الأنشطة الغذائية التي تحقق عوائد سريعة وقيمة مضافة مثل الدواجن واللحوم والسكر والألبان والأسماك والاستزراع السمكي. وتشير الهيئة في تقريرها إلى أنها تعتبر أزمة الغذاء من الأولويات، وتؤكد أنه رغم توافر الموارد الطبيعية في المنطقة العربية إلا أنها لم تحقق زيادة إنتاجية لمواجهة الطلب على الغذاء في ظل زيادة سكانية وتوسع في المدن، وذلك لأسباب ضعف البنية التحتية والبيئة الاستشارية والخدمات الزراعية والبحث العلمي. ونوه أنّ الفجوة الغذائية في الوطن العربي بلغت في 2010 "41" مليار دولار وقد تصل إلى "89" مليار دولار في 2020 وهذا يتطلب استثمارات تقدر ما بين "65 ـ 80" مليار دولار لتقليص الفجوة، وفي المقابل تتيح توقعات ارتفاع معدلات النمو في منطقتنا إلى "6%" بعدما كانت "3%" سنوياً بسبب الاحتياج الحقيقي للاستثمار في الغذاء بعد الربيع العربي آفاقاً للمستثمرين. على المستوى المحلي فإنّ قطر بدأت جهود تحقيق الاكتفاء الغذائي مبكراً، وذلك بتأسيس شركات للغذاء والمواشي والزراعة، وهي ساعية بجد في إنشاء شراكات عالمية للاستثمار في هذا الجانب، لتتلافى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية التي من المتوقع أن ترتفع بنسبة "60%" خلال السنوات الأربع القادمة. وما يثير الإعجاب ما أعلنته "حصاد" الغذائية مؤخراً عن مشاريع تبلغ تكلفتها "500"مليون يورو أيّ ما يوازي "626" مليون دولار وإنشاء أسواق جديدة لتلبي الطلب المتزايد على الثروة الحيوانية والزراعية.