13 سبتمبر 2025
تسجيلحين تم تسويق فكرة (التعليم الأساس) منتهى السبعينيات ومفتتح الثمانينيات من القرن الماضي، وصدر القانون الخاص بفرض هذا النوع من التعليم عام 1981أفرغ البعض حماسهم في الإشادة بهذا النوع من العليم وكان لي – وقتها - رأي آخر نشرته في جريدة الجمهورية ثم واصلت تفصيله في جريدة كان يصدرها حزب الأحرار اسمها (النور) كان يرأس تحريرها المرحوم الحمزة دعبس. واليوم وقد بدأت التجربة تؤتي ثمارها ظهر لجميع من يعملون في حقل التعليم مرارة تلك الثمار التي أثمرها هذا النوع من التعليم. وكما هو الحال في نقل "شتلات النبات" فإن لكل نبات أرضا تلائمه وطقسا يناسبه وظروفا طبيعية ينمو فيها. وقد كان "شتل" هذا النوع من التعليم في التربة المصرية خطأ فادحاً، وجناية عظيمة الخطر، والعجيب أن الكثيرين من أهل الحل والعقد يعلمون هذه الحقيقة، ويمرون عليها وهم عنها معرضون. وقد كان ذلك لعدة أسباب، أهمها: ➊ المسار الخاص: طبقا لقانون التعليم الأساس يُحدَد مسار خاص للطلاب الذين ينقلون آليا أي ينتقلون إلى الفرق الأعلى بعد تكرار رسوبهم – وفصول المسار الخاص، الآن، هي مثار تندر المعلمين والموجهين، فالتلميذ في السنة التاسعة من التعليم الأساس أو الثالثة الإعدادية بالتعبير القديم لا يحسن قراءة عناوين الصحف، فكيف يدرس كتبا للعلوم تبحث في تشريح النبات والحيوان؟ وتبحث في الكهرباء والمغناطيسية وتبحث في الكيمياء العضوية وغير العضوية؟ وكيف يدرس كتبا في اللغة تتناول الصرف والمنع من الصرف، والجامد والمشتق والمجرد والمزيد؟ بل كيف يدرس نصا شعرياً يقوم فهمه واستيعابه على قراءته صحيحة، ويطلب منه فهم مواطن الجمال في التعبير الجميل وهو لا يحسن قراءة – لا فهم – التعبير الدارج في الصحف؟ أما إذا قيل إن هؤلاء يمنحون شهادة إتمام الدراسة، فهذا لغو من القول، وكلمة حق أريد بها باطل لأن الحديث عن هذه الشهادة ينقلنا إلى فلسفة هذا التعليم وهو حديث غير شائق. ➋ فلسفة التعليم الأساسي: وهذا الحديث غير الشائق مرده إلى أن بعض الأهداف التي قيلت في تبرير "شتله" يوم شتلوه في مصر ذهبت إلى أن مد سن الالتزام من 12 سنة إلى 15 سنة من شأنه أن يضمن عدم ارتداد المتم لهذا التعليم إلى صفوف الأميين. والذي حدث الآن يشير إلى تهاوى هذا المبدأ، ففصول المسار الخاص تشهد بأن من فيها أميون بالفعل، بل إنهم شر من الأميين، لأن الأمي بالطبع يعرف أنه أمي، ويتصرف على هذا الأساس، وتقبل منه سلوكياته على أساس أنه أمي، أما من قضى في التعليم بضع سنين فلا هو يعترف بأنه أمي، ولا المجتمع يقبل منه سلوكه على أنه أمي بل يظل، في "منزلة بن المنزلتين" كما يقول المعتزلة. ➌ الجانب العملي: يتصل أيضا بهذا الحديث وضع الجوانب العملية في مرحلة التعليم الأساسي، سواء أكانت تلك الجوانب ضمن المناهج الدراسية التقليدية (كالعلوم والرياضيات والجغرافيا مثلا) أم كانت ضمن برامج المجالات العلمية.. في كلتا الحالتين لا يدرس التلاميذ دراسة عملية ناجحة لأسباب عديدة منها نقص الإمكانات ومنها ضعف للتلاميذ أنفسهم. وذات مرة وجدت كتابا في يد ابنتي وكانت حينئذ في السنة السادسة عن المجالات فقالت لي: إن هذا كتاب لا يستخدمونه في المدرسة، ولا مدرس لهذه المادة، ولما تقصيت حول وضع مادة المجالات بصفة عامة استبان لي أنها عبء على التلميذ وعلى المعلم معا. وبذلك يفقد التلميذ في هذا التعليم جزءاً غالبا من وقته، ويفقد المعلم كثيرا من جهده في مادة لا تدرس عليه أن يشغل حصصها بآية أعمال أخرى، وفي النهاية يفقد التعليم الأساس أهم قاعدة يستند إليها وهي قاعدة "التعليم المنتج الذي ينص المهارة اليدوية" وهو كلام عام يصح أن يقال عن كثير من أنواع التعليم. ➍ ثم الحاسوب: وفيما كان المختصون يبكون على ما آل إليه الحال إذا ببدعة جديدة تخرج بها علينا الصحف، وهي أن القوم جادون في تطوير التعليم، وأنهم يفكرون في إدخال الحاسوب إلى المدارس لأن العصر عصر العلم والعلم يتطلب أن نواكب أحدث "موضة" في مجال التعليم في الغرب عامة، وفي أمريكا خاصة. ولاشك في أن الاعتراض على الفكرة من حيث هي فكرة، خطأ جسيم، فهي فعلا فكرة طيبة.. أن نطور التعليم. ولكنها خطيئة أن ننفق أموالا – ونحن مدينون- على التجريب. قلت وقتها فيما كتبت: لنكن واقعيين كيف ندخل الحاسوب مدارس لا كهرباء بها؟ كيف نجرب إدخال الحاسوب في بعض مدارس القاهرة مثلا؟ ونحن نعلم مسبقا أن من المستحيل تماماً وأكررها وأؤكدها: من رابع المستحيلات أن يتم تعميم هذه التجربة لعوامل كثيرة.. منها أننا لم نعدّ المعلم حتى الآن، فكيف نستورد الأجهزة فنضيف إلى أعباء مصر عبئا جديداً ثم نكتفي بدورات عاجلة لبعض المعلمين في بعض المدارس في بعض أحياء القاهرة.. ونقف عند هذا وننادي الصحفيين والإعلاميين: هلمّوا... يا حملة الأقلام.. نحن نطور التعليم، نحن نستخدم الحاسوب.. نحن نشكر الظروف! ثم لنكن صادقين: إن كثيراً من مدارس مصر، بصفة خاصة مدارس الريف لا توجد بها مقاعد ولا دورات مياه، وأحيانا توجد بها فصول طائرة أي لا مكان لها، وأحيانا توجد مدارس آيلة للسقوط، وفي حالات كثيرة جداً تكاد تكون عامة، تعمل المدرسة فترتين. فكيف نجد إزاء هذه المشكلات وقتا تخلو فيه إلى أنفسنا، ونفرك أيدينا جذلا وفرحا وترفع حواجبنا بهجة، ونضحك ونصفق في طفولية عبيطة ونقول: هيا إلى الحاسوب. هلموا – أيها المسؤولون- أولادنا القراءة أولا، وبعدها الكتابة الصحيحة وتكونون إذا فعلتم قد أديتم رسالتكم واتقوا الله.. وكونوا مع الصادقين.