14 سبتمبر 2025
تسجيلفي القرن العشرين تضاعف كم المعرفة العلمية على نحو لم يسبق له مثيل خلال التاريخ البشري، مما أدى إلى أن يطلق على ذلك القرن تعبير "عصر ثورة المعلومات" باعتبارها السمة المميزة له. ومع ذلك فإن التربويين العرب لم يواكبوا هذا التطور المذهل، برغم اتفاقهم على الاهتمام بالتركيز على كيفية تعامل الإنسان مع هذه المعارف المتضاعفة بدلاً من التركيز على المعرفة في حد ذاتها. إن الاهتمام الرسمي لواضعي السياسات التعليمية في بلداننا العربية بعمليات الإحساس والإدراك والذاكرة والتفكير - باعتبارها عمليات متصلة من النشاط المعرفي الذي يمارسه الأفراد في مواقف التعليم المختلفة - من شأنه أن يدفع بمخرجات نظمنا التعليمية لمستويات التنافس الدولي. ويحاول عدد لا بأس به من الباحثين العرب بذل مزيد من الجهد لدراسة العمليات والظواهر المعرفية وبحث طرق الإنسان في استقبالها والتعامل معها عند حل المشكلات واتخاذ القرار. واستخدام العلماء مصطلح المعرفة Cognition للإشارة إلى طرق الفرد في معالجة وترتيب وتخزين واستدعاء المعلومات. واتخذ علماء النفس المعرفيون العرب من معالجة المعلومات إطاراً عاماً يمكنهم من خلاله دراسة العمليات المعرفية، وتبادل الأفكار حول الظاهرة المعرفية وبهذا أصبح علم النفس المعرفي "علم معالجة المعلومات الإنسانية". وانتقدوا نظم التدريس السائدة التي تستند إلى المدرسة السلوكية، لأنها تسطح مفهوم التفكير باعتمادها على العلاقة بين المثير والاستجابة، مقابل الاهتمام – المفقود - بالفهم وفرض الفروض وحل المشكلات من خلال نماذج معالجة المعلومات. ومن هنا يجب أن نشدد على ضرورة إعادة توجيه اهتمام صناع السياسات التعليمية وواضعي المناهج من التركيز على المثير والاستجابة إلى الاهتمام بكيفية استقبال العقل البشري لهذا المثير ومعالجة الإنسان له، وتفاعله مع الأبنية العقلية وحدوث الاستجابة. وانطلاقا من هذا الفهم، يجب النظر إلى التلميذ بوصفه مُعالجاً للمعلومات، حيث تمثل الحواس قناة إدخال المعلومات، التي تجري عليها بعض العمليات العقلية، وهذه المدخلات المتحولة تخلق بنية عقلية، تتفاعل بدورها مع الأبنية العقلية الأخرى لإنتاج الاستجابة. ومعنى ذلك أن التلميذ كمعالج للمعلومات يمكنه تشفير وتخزين المعلومات في الذاكرة، متبعاً في ذلك طرقا واستراتيجيات متعددة، بحيث تيسر له البحث عن تلك المعلومات في الذاكرة، عندما يطلب منه استرجاعها مرة أخرى. ونحن نقصد بمعالجة المعلومات: تلك العمليات المؤداة تراتبيا للوصول إلى حل المشكلة، الذي هو جزء من الحياة اليومية للفرد، فالمشكلات تواجه الأفراد كل يوم، والاختلاف بين حلاَّلي المشكلات يكمن في السلوك الذي يسلكه الأفراد في حل المشكلة، والاستراتيجيات المستخدمة في البحث في حيز المشكلة واتجاهاتهم نحوها. والكشف عن طرق الأفراد المختلفة في حل المشكلات، أي الاستراتيجيات المعرفية التي يتبعونها عند حل المشكلات، يلقي الضوء على تركيب الأفراد المعرفي، وقابليتهم وطرقهم في التعلم. وهذا ما يجب أن تركز عليه المناهج التي نتغياها. إن انتقال دور المعلم من التلقين والتحفيظ إلى الإرشاد والتوجيه، ومن التركيز على استظهار المعلومات إلى الوعي بقدرات التلاميذ والعمل على تنميتها، وإعداد التلاميذ لتقبل التغيرات السريعة والمتلاحقة، هو المطلوب وهو لا يتأتى إلا بوعي المعلم بالبناء المعرفي للطالب، وكشف الاستراتيجيات المعرفية التي يتبعها الطلاب عند التعامل مع المادة العلمية، بهدف العمل على توجيهها أو تدعيمها، لتحقيق التفوق الأكاديمي والصحة النفسية. وقد أشارت الدراسات النفسية الحديثة إلى أن الوعي بالاستراتيجيات المعرفية للطلاب العاديين، يساعد في توجيه الطلاب، الذين يعانون من صعوبات التعلم عند تدريبهم عليها؛ لتحسين الأداء الأكاديمي. ومن هنا تنامت الدعوة للتربية العلمية خلال السنوات الأخيرة للتحول من العناية بتحصيل التلاميذ للمعلومات العلمية، إلى التركيز على معالجة المعلومات – Information Processing - والعمليات العقلية. انطلاقا من أن العناية بالإنسان ككائن عارف والبحث في الاستراتيجيات المعرفية التي يستخدمها الطلاب، والتي تحكم عمليات التفكير لديهم هي الوسيلة الأكثر فاعلية في تحقيق أهداف التربية.