11 سبتمبر 2025

تسجيل

الدروس المهمة من أحداث الأمة (12)

31 مارس 2013

زيادة فاحشة في ثروات الولاة الطغاة وأذنابهم، وعجز مشين في ميزانيات دولهمضرورة إقرار الذمَّة المالية قبل وبعد شغل الوظيفةإن ولي الأمر في كل أمة، عقدة نظامها وقوامها، وملاك أمرها، وحرزها، وكهفها، ومعقلها الذي يلجأون إليه، شهابها الساطع، ونجمها الثاقب، وبدرها الطالع، وسهمها النافذ، فإذا فسد فمن يصلح ومن أين يكون الصلاح ؟؟!!كنتُ من كربتي أفزع إليهم ..... فهمُ كربتي فأين الفرار؟إذا كان ربُ البيتِ بالطَبلِ ضارباً ..... فشيمةُ أهلِ البيت كلهم الرقصُ.(إِذا مَا اللَّحْم أنتن ملحوه....... ونتن الْملح لَيْسَ لَهُ دَوَاء)يا معشر القراء يا ملح البلد ....... ما يُصلحُ المِلْحَ إذا المِلحُ فسد؟من بالغ الدروس، وأعاجيب أحداث عالمنا العربي المعاصر، أنك ترى تضخما في ثروات رعاة هذا العالم العربي، وعجزا مريعا في ميزانيات دولهم، لم يعرف قانون من أين لك هذا سبيلا إلى تشريعاتهم، ولم يضرب على وتر قلوبهم حديث رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- "لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة، حتى يُسألَ عن أربع عن عُمُره فيما أفناه؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟»1،ولا استشعرت قلوبهم  حديث النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنِ استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً، فما أخذَ بعد ذلك فهو غُلول»2 وقد قال تعالى "..وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"3، لو أنه تتم محاسبة هؤلاء، لما تم نهب وسلب ثروات الأمة، حتى تتجمع في أيدى شرذمة، بينما عامة الشعب يتضورون جوعا، ويفترشون الحرمان، ويلتحفون العراء، وكان لسان الحال عند ضيق الصدور وبلوغ القلوب الحناجر من مثل هذه المظالم.إن كنت لا ترضى بما قد ترى ........ فدونك الحبل به فاختنقوفي الحديث الصحيح من تقرير مبدأ المحاسبة فى الدنيا – قبل القيامة - ما يضع حدا لهذه الجرائم : عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ عَلىَ صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ الأُتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّىَ تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً؟" ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّىَ تَأْتِيهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً، واللهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلاَّ لَقِيَ اللهَ تَعَالَىَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعِرُ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّىَ رُؤيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟" بَصُرَ عَيْنِي، وَسَمِعَ أُذُنِي4. شعوبهم لهم بالمرصاد، ومن فوق الشعوب رب العباد، " إن ربك لبالمرصاد"5.كتب عليّ بن أبي طالب إلى ابن عمه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهم- واليه على البصرة:أما بعد، فإنه قد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت الله، وأخزيت أمانتك، وعصيت إمامك، وخنت المسلمين. بلغني أنك جردت   الأرض وأكلت ما تحت يدك، فارفع إليّ حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس والسلام6.وما تردد في الآونة الأخيرة من زيادة ثروات بعض هؤلاء الرعاة الطغاة – زيادة فاحشة، تكفى لسد العجز في ميزانيات دولهم، بظهور هذه الثروات الخيالية فطنت الشعوب، كيف أصاب ميزانيات دولها العجز مع كثرة الموارد، وتنوع وتعدد مصادر الدخل لإيرادات الدولة، هذا ذكَّرنا بما  ورد، في أدبيات تاريخنا العربي مِن أن معاوية خطب يوما فقال: إن الله تعالى يقول: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ "فعلام تلوموني إذا قَصَّرت في عطاياكم؟ فقال له الأحنف بن قيس: وإنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما أنزله الله لنا من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه7.ترى أليس هذا حال كثير من رعاة وطننا العربي؟؟؟؟ !!!!ولذلك لا بد من المساءلة العادلة، والمحاسبة المسؤولة ففي الحديث  "أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَىَ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَىَ مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"8. بالله قولوا لي : ماذا عساه أن يكون في نفس الرعية وهي تتضور جوعا، بينما رعاتها، تكاد يقتلها البشم والتخمة، أين العدل وأين الشورى،وأين العدالة الاجتماعية ؟؟؟!!! ذكرت كتب التاريخ أيضا أنه قد أصاب القوم مجاعة في عهد هشام بن عبد الملك، فدخل إليه وجوه الناس من الأحياء، وفي جملتهم درواس بن حبيب العجلي وعليه جبة صوف مشتمل عليها بشملة قد اشتمل بها الصماء، فنظر هشام إلى حاجبه نظر لائم في دخول درواس إليه، وقال: أيدخل عليّ كل من أراد الدخول. وكان درواس مفوّها فعلم أنه عناه، فقال درواس: يا أمير المؤمنين ما أخلّ بك دخولي عليك ولقد شرفني ورفع من قدري تمكني من مجلسك، وقد رأيت الناس دخلوا لأمر أعجموا عنه، فإن أذنت في الكلام تكلّمت، فقال هشام: لله أبوك تكلّم، فما أرى صاحب القوم غيرك، فقال: يا أمير المؤمنين تتابعت علينا سنون ثلاث، أما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فأكلت اللحم، وأما الثالثة فانتقت المخ ومصَّت العظم، ولله في أيديكم أموال، فإن تكن لله فأعطفوا بها على عباد الله، وإن تكن لهم فعلام تحبسونها عنهم، وإن تكن لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين. فقال هشام: لله أبوك ما تركت واحدة من ثلاث، وأمر بمائة ألف دينار فقسمت في الناس، وأمر لدرواس بمائة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين ألكل رجل من المسلمين مثلها، قال: لا ولا يقوم بذلك بيت المال، فقال: لا حاجة لي فيما يبعث على ذمّك، فلما عاد إلى داره أمر بذلك فبعث إليه فقسم تسعين ألف درهم في تسعة من أحياء العرب، وحبس عشرة آلاف درهم فبلغ ذلك هشاما، فقال: لله دره إن صنيعة مثله تبعث على الاصطناع.9.*كان عبد الله بن جعفر من الجود والكرم بالمكان المشهور، وله فيه أخبار يكاد سامعها ينكرها لبعدها عن المعهود، وكان معاوية يعطيه ألف ألف درهم كل سنة فيفرقها في الناس، ولا تراه إلّا وعليه دين. ولما مات معاوية وفد عبد الله بن جعفر على يزيد فقال له: كم كان أمير المؤمنين معاوية يعطيك؟ قال: كان رحمه الله يعطيني ألف ألف، قال يزيد: قد زدناك لترحمك عليه ألف ألف، قال: بأبي وأمي أنت، قال: ولهذه ألف ألف، قال: أمّا إني لا أقولها لأحد بعدك، فقيل ليزيد: أعطيت هذا المال العظيم رجلا واحدا من مال المسلمين فقال: والله ما أعطيته إلّا لجميع أهل المدينة، ثم وكل به من صحبه وهو لا يعلم، لينظر ما يفعل في المال، فلما وصل المدينة فرّق جميع المال حتى احتاج بعد شهر إلى الدّين10.وقال له الحسن والحسين عليهما السلام: إنك قد أسرفت في بذل المال، فقال: بأبي أنتما، إن الله عز وجل عوّدني أن يتفضل عليّ وعوّدته أن أتفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فتنقطع عنّي المادة11.قال المدائني: قدم عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية، فقال له: كم كان عطاؤك؟ فقال له: ألف ألف. قال: قد أضعفناها لك. قال: فداك أبي وأمي وما قلتها لأحد قبلك! قال: أضعفناها لك ثانية. فقيل ليزيد: أتعطي رجلا واحدا أربعة آلاف ألف؟ فقال: ويحكم، إنما أعطيتها أهل المدينة أجمعين، فما يده فيها إلّا عارية. فلما كان في السنة الثانية قدم عبد الله بن جعفر، وقدم مولى له يقال له نافع كانت له منزلة من يزيد بن معاوية. قال نافع: فلما قدمنا عليه أمر لعبد الله بن جعفر بألف ألف، وقضى عنه ألف ألف، ثم نظر إليّ فتبسم، فقلت: هذه لتلك الليلة12.ترى هل يصنع أفراد أنظمة الأحزاب الحاكمة في ديارنا، ما كان يصنع سمحاء هذه الأمة عندما كان يغدق عليهم الولاة العطايا والهبات، أم أن أفراد الحزب الحاكم، تجوع الشعوب ليشبعوا، وتعري ليكتسوا، وتظمأ ليرتووا، وقف أعرابي على حلقة الحسن البصري فقال رحم الله من تصدق من فضل أو واسى من كفاف أو آثر من قوت فقال الحسن البصري : ما ترك الأعرابي أحدا منكم حتى عمه بالسؤال13 ترى هل بقي أحد من أفراد الرعية إلا وله حق في هذه الفضول؟؟!!!ومن عجيب أنهم يستخفون بهذه الأموال من الناس،"يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً"14. نخلص من هذا كله إلى درس بالغ من الدروس المهمة من أحداث الأمة، هو ضرورة تقديم كل موظف كبر أو صغر، إقرارا بذمته المالية عند شغله لوظيفة من وظائف الدولة وعند تخليه أو تركه لها إقالة أو استقالة، فهلا اتخذت وزارة المالية  من الاجراءات، ما يجعل هذا فى حيِّز التنفيذ، وهلا أصدرت المجالس التشريعية - بغرفتيها (النواب، الشيوخ) أو ( الشعب، الشورى) أيا ما كانت التسمية - يصدر عن المؤهل أو الفاعل منهما من القوانين والتشريعات ما يجعل هذا معيارا للنزاهة، وسياجا ومعصما، ومرشحا للكفاءة والترقية إلى الأعلى من الوظائف والمناصب والمراكز، يتم من خلاله الكفكفة أو التقليم  لأظافر من تمتد أيديهم إلى المال العام، والأخذ على أيديهم بيدٍ من حديد لتسود الأمانة، وتشيق الثقة وحتى لا تكون الوظائف العامة مغنما، ومرتعا ممرعا للسلب والنهب، هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته. ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.هوامش:1-أخرجه الترمذي في سننه في صفة القيامة باب رقم (1) حديث رقم (2419) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال.2-أخرجه أبو داود في سننه في الخراج والإمارة باب في أرزاق العمال رقم (2943) وإسناده صحيح3-آل عمران:1614-صحيح البخاري،كِتَاب الْإِكْرَاهِ. باب احْتِيَالِ الْعَامِلِ لِيُهْدَى لَهُ.صحيح مسلمكتاب الإِمارة. باب تحريم هدايا العمَّال.5-الفجر: 146-[العقد الفريد 5/ 103]7-المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 70)8-صحيح مسلم كتاب الإِمارة.  باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحثُّ على الرِّفق بالرَّعية، والنَّهي عن إدخال المشقَّة عليهم.سنن أبي داوود،  كتاب الخراج والفيء والإمارة. باب ما يلزم الإمام من حق الرعية.9-عيون الأخبار (2/ 366):محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (1/ 626)10-[التذكرة الحمدونية 2/ 269]11-[التذكرة الحمدونية 2/ 269]12-[العقد الفريد 1/ 322]13-ثمرات الأوراق في المحاضرات (1/ 107)14-النساء{108}