18 سبتمبر 2025

تسجيل

دماء تعليمية جديدة

31 مارس 2011

لا يخفى على أحد أن العملية التعليمية تتكون من أربعة أطراف متمثلة في المعلم والمتعلم والأسرة ويضاف إليها عادة الإدارة التعليمية ككيان مستقل. التعليم كان ومازال حجر زاوية في أي عملية تنمية تستهدف النهوض بمجتمع من كل النواحي، أو ما يطلق عليه الآن عنوان "التنمية المستدامة". في قطر الحديث عن تطوير التعليم أصبح الشغل الشاغل للمسؤولين والمواطنين خلال العقد الأخير مع تقديم العديد من المبادرات لتطوير التعليم واختلاف الآراء حول نجاح التجارب المختلفة أو فشلها. لعل البعض من المتأثرين بالعملية التعليمية سواء كانوا موظفين في مؤسسات تعليمية أو أولياء أمور أو طلاب لاحظوا بعض التغييرات الجوهرية خلال السنة الماضية والتي لا يبدو أنها تزامنت مع أي إعلانات براقة عن خطط طموحة لتغيير، وهو خلاف العادة. وكوني منخرطا في العملية التعليمية من الجانبين حيث إني موظف في جامعة قطر وفي الوقت ذاته طالب مبتعث لدراسة الماجستير لاحظت مثل غيري وجود تحولات جوهرية في السياسات التعليمية خلال العام الماضي. لست هنا في معرض الحديث عن هذه التغيرات إنما قدمت بالحديث عنها لأبرر سبب كتابتي عن انطباعاتي حول حدث قد يبدو اعتيادياً. في يوم الأحد الموافق السابع والعشرين من مارس الحالي عقد لقاء في العاصمة البريطانية بدعوة من الملحقية الثقافية هناك يجمع بين سعادة السيد سعد المحمود وزير التعليم ومجموعة من المشاركين من طلبة البعثات في المملكة المتحدة. حضرت هذا اللقاء بحماس محدود متأثراً بنتائج لقاءات سابقة جمعتنا في فترات مختلفة مع مسؤولين عن المبتعثين أو التعليم عموماً لم نخرج منها بنتائج تذكر بل أصابني فيها شيء من الإحباط حيال قلة المشاركة في الحوار من طرف الطلاب أنفسهم.في هذا اللقاء فوجئت بالتغير الذي حدث خلال السنوات الأخيرة – آخر لقاء من هذا النوع حضرته كان عام 2004- وكان هذا التغيير من طرفي المعادلة. بدأ سعادة الوزير كلامه بالتأكيد على عفوية اللقاء وطلب ألا يتحول إلى خطابات مفرغة ولم يطل الحديث بل لم يكد يتحدث حتى ترك الكلمة للطلاب. استمع سعادة الوزير باهتمام لكل الملاحظات حتى ما بدا منها شخصياً أو مكرراً وقدم إجابات واضحة واتخذ في حينه قرارات لحل بعض الإشكالات موجهاً كلامه إلى المسؤولين عن البعثات والذين حضروا اللقاء. كان سعادة الوزير صريحاً جداً فلم نسمع منه كلمات مجاملة مفرغة مثل "سندرس الأمر" كان يبدي اعتراضاً واضحاً على بعض الاقتراحات ويقوم بتبرير رفضه لها أمام الطلاب. وفوجئت من اطلاع الوزير على تفاصيل عملية الابتعاث الدقيقة التي يتصور الواحد منا أن هذا المستوى الإداري سيكون بعيداً عنها ولكن كان واضحاً أن سعادته كان يعرف هذه الأمور لأنه يقوم بمراجعة عمل هيئة التعليم العالي بشكل دقيق. في الطرف الآخر من المعادلة كانت مشاركات الطلاب في معظمها منظمة ودقيقة والمطالبات واضحة بل إن الطلاب وبعد يوم واحد من اللقاء كانوا جهزوا ورقة تم إرسالها إلى الملحقية الثقافية لتقوم بدورها بإيصالها إلى الوزير فيها تفاصيل ما تم مناقشته في اللقاء.لم يكد يتسع الوقت لكثرة المشاركات رغم قلة المشاركين وكان الأصغر سناً من الطلاب حاضرين في النقاش وبحيوية. ولأننا تعودنا على اللقاءات الرسمية الثقيلة فوجئت بصراحة الطلاب وقوة حجتهم في مواجهة "وزير" بينما أذكر أن بعض اللقاءات التي جمعتنا مع مسؤولين في مستويات إدارية أقل خلت من هذه الحيوية والصراحة. بل حتى سفيرنا في لندن والذي حضر جزءًا من اللقاء شارك مدافعاً عن بعض قضايا الطلاب. كنت أشعر بارتياح خاص في هذا اللقاء لأنه جاء تتويجاً لسنين العطاء التي قدمها الملحق الثقافي في لندن محمد الكعبي والتي حاول خلالها مرات عديدة ردم الفجوة بين الطلاب والمؤسسة التعليمية ولكنه أخيراً وجد تجاوباً حقيقياً من الطرفين حيث ختم اللقاء بوعود لاستكمال دائرة التواصل بذات الحيوية.