16 سبتمبر 2025

تسجيل

احذر الشائعات ولا تطير بالعجة

23 يوليو 2015

أود بداية أن أشرح معنى "الطيران بالعجة" وهي مقولة دارجة، فلان طاير بالعجة، وهو الذي يسهم في التسرع بالحكم على الأشياء والتصديق والتمرير بمعزل من التبين والتحقق من صحة هذا الأمر أو ذاك، ويبدو أن العقل هو المقصود، بحيث يكون من الخفة ما يجعله يطير ويصدق كل ما يسمع حينما تأخذه العجلة بالإثم ويوقعه سوء التقدير في هذا المطب، ليس نقصاً في القدرة أو المهارة، بل في نزعه ثقته بنفسه وبملء إرادته، فهو يسير خلف الأغلبية، ذلك أن أدوات امتلاك القرار ليست بحوزته، بل مؤجرة ولا أدري هل هو إيجار منتهٍ بالتمليك أم لا؟ خفيفو العقول هؤلاء هم الزبائن الدائمون لمروجي الشائعات التي لا تقف آثارها عند إحراق الحقائق فحسب، بل تذهب إلى أبعد من ذلك حينما تثير الخلافات جراء البلبلة والافتراءات التي تستند على الكذب والخداع، وما ذلك إلا ضعف بارز في الوازع الديني وغياب للمثل العليا، فإذا غاب التأثير في العقول فإن الشعور بالذنب سيضعف نتيجة لذلك، وليس الخلل في الهدف بقدر ما تكون الوسيلة عاجزة عن تحقيقه، فمطلق الشائعة وممررها قرأ ودرس وتعلم ولكنه لم يتأثر أو بمعنى أصح لم يستشعر، فعلى سبيل المثال وحينما تذهب إلى الطبيب ماذا سيكون رد فعلك إذا خاطبك الدكتور قائلاً بأنك تعاني من مرض خبيث قد لا يمهلك بأن تعيش طويلاً وماذا سيكون شعورك حينئذ وأنت تتلقى هذا الخبر المفزع والذي استنبطه الدكتور لمجرد الاشتباه بمعزل عن التحليل الدقيق وهكذا هو دور "اللي يدرعم" ويبني استنتاجاته وقراراته وفقا لأهواء الآخرين ورغباتهم، وأيًّا كان من أطلق الشائعة إلا أنه حتما يوجد حيز من خير بين جوانحه وفي قلبه بالذات، غير أن هذا الحيز يتوارى حينما تسيطر عليه آلة الشر مدعومة من عدو الله إبليس اللعين، فيما يعتقد بأنه سيفلت من العقاب بتسويقه الكذب، وهو يتوارى خلف أقنعة زائفة إلا أنه لن يفلت من رب العباد القائل في محكم التنزيل: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد".وتطفو على السطح فرق شريرة دأبت على بث الأحقاد وإثارة الفتن وإشاعة الفرقة، وجل ما يصبون إليه مشاهدة التناحر والتخاصم بين الناس وزعزعة الاستقرار وإيغار الصدور بين الشعوب والطوائف كنتيجة بديهية لمركب نقص وخلل في التربية أفضى إلى ضمور في القيم الإنسانية الفاضلة والمبادئ العادلة، في حين أن الإنسان السوي لا يقبل أن يكون ألعوبة وإمعة يردد ما يقال كالببغاء ويشتري البؤس بثمن بخس، ولا أعتقد بأن عاقلاً يرغب في رهن عقله لبسطات التواصل الاجتماعي وأكشاك الفضاء وهي تقتات الشرور وتبث السموم.وإذا كان مصدر الشائعة موغلاً في الخبث، فإن الأجدر عدم تمرير هذا الإفك، لأن التمرير يسهم في انتشار الكذب ولأن الإثم سيلحق بمن أسهم في هذا التمرير لما في ذلك من مضرة قد تجلبها هذه الأكاذيب، ليتحول وبكل أسف إلى جسر كئيب وهو ينفذ رغبات هؤلاء الأفاكين في نشر السوء، ويرهن شخصيته باختياره في مزادهم البائس بتحريف المسميات تارة والعزف على أوتار نشاز تارة أخرى، والهدف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، إثارة الشقاق واختطاف الاستقرار عبر صياغة بغيضة فجة للمعطيات منزوعة الدسم والأدب في ذات الوقت، وتوحي بالمقام الأول عن خلل في الفكر واهتزاز في المبادئ التي ارتهنت بضاعة مزجاة لتُشتري بأبخس الأثمان. والأمر الآخر ماذا عن الأثر النفسي السيئ والذي ستسببه لكثير من الناس إزاء نقلك خبراً عارياً عن الصحة، ولربما أيضاً يقع في الفخ، ويستقي الخبر من قنوات فضائية أو عبر شاشات الإنترنت ليثبت بأنه فعلا "شاة أو عنز سيان طالما يسوقونه كالبهائم". ثم ماذا سيكون شعور والدك أو والدتك إذا سافرت إلى بلد معين، وساقت بعض القنوات الفضائية ما خاب وخسر من أخبار أخضعت لعملية تشويه وتوحي بأنك في خطر، الإنسان بطبيعته لا يقبل أن يكون عرضة للاستغفال، لأنه يكره أن يكون غبياً وتنطلي عليه هذه الحيل. إن اختلال الأساسات منشؤه ولا ريب غياب الاعتدال والحكمة وبالرغم مما يحمله الإنسان من صفات متعددة ومتضادة بذات الوقت إلا أن القياس يكمن في الاستخدام الرشيد لهذه الصفات، على سبيل المثال لا الحصر، المحبة وتقابلها الكراهية، الرفق وتقابله الغلظة، التسامح ويقابله التشدد، التواضع ونقيضه الكبر. هذه الصفات وهي جزء يسير مما يحمله الإنسان يطوعها وفقاً لرغبته وهو الذي يحدد الكمية التي في ضوئها يبني توجهه وقراره، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، ومما لا ريب فيه أن الشائعة تشكل خطرا محدقاً ولا تلبث أن تسقط من جعل التسرع عنواناً بارزاً لحماقته حين ضرب بتقدير الأمور ووزنها عرض الحائط، مسوغاً هذا الأمر استغفاله واستدراجه وهو ينساق بكل سذاجة في تصديق حكايات نسجت وفق خيال مريض تمكن منه البؤس وهو يحيك المؤامرات ويثير الضغائن، ليمتطي صهوة الفتن التي لا محالة ستنعكس عليه لتحرقه - كما كانت نيته السيئة وقلبه الأسود حينما أزاح الأمانة عن طريقه.فكِّر ملياً في هذا الأمر، فكما أن لك أحبابا يخافون عليك، فأبناء الناس أحباب لهم كذلك.قال أبو العتاهية:إن الفساد ضده الصلاحورب جد جره المزاحمن جعل النمام عيناً هلكامبلغك الشر كباغيه لكا