11 سبتمبر 2025

تسجيل

التعبير عن الشكر والتقدير ينمي عمل المعروف

27 فبراير 2013

حينما يقدم لك أحد خدمة ما فإنك بطبيعة الحال تشكره على ذلك وإن كانت من صميم عمله، وضمن نطاق مسؤولياته، وإذا عمل الإنسان معروفاً فإنه بلا ريب يتوقع أن يجد الشكر والتقدير على ذلك، الشكر والتقدير في هذه الحالة ينمي المعروف ويشجع أهله على بذل المزيد منه وهي ترجمة صادقة لمشاعر فياضة مفعمة بالحس الإنساني الراقي، مغلفة بنبل الأخلاق، في تجسيد يعمق التآلف مفضياً إلى تأطير وتأصيل العلاقات الاجتماعية من خلال ضخ معان جميلة تتسم ببعد النظر، ويقين مطلق بأن الخير وعمله لا يذهب سدى، بل إنها موازين كلما ثقلت يوم تجزى كل نفس بما كسبت كلما خففت من وطأة الهموم التي تحيط بالقلب المترع بمسؤوليات الحياة وشؤونها والسعي في هذه الأرض لتحقيق مكاسب لم تكن بحال من الأحوال خاضعة لمقاييس وقتية زائلة، ويقترن رد الجميل بالبُعد الأخلاقي فمن خصائص النفس الكريمة إسداء المعروف ومن خصائصها كذلك رد المعروف بصيغة أجمل وأقرب إلى تحقيق الإنصاف المعنوي لكل طرف بمعزل عن الصد والنكران أو التجاهل والنسيان، فعندما يقابل المعروف بهذه المعايير غير المنصفة، فإنه حينئذ يكون للانحسار أقرب منه إلى الانتشار وبذلك يضيق الخناق عليه وتتضاءل فرص عمل الخير وفقاً للانصياع الإرادي لخلجات النفس والتي بدورها تحيل ما نتج عن هذا الأمر إلى المشاعر والأحاسيس ليشكل الانطباع السيئ صورة قاتمة تؤدي إلى التقوقع في دائرة ضيقة تكتنفها الظنون السيئة عطفاً على نوعية الاستجابة تلك، وكلما قوبل العمل الطيب بالتقدير كلما أتاح المجال رحباً واسعاً لاحتضانه والاحتفاء به وامتداده والعكس كذلك، وقد يكون للحساسية المفرطة حضور كثيف في هذا الجانب تبعاً لتفسيرات خاطئة أحياناً، أو أن يرافقها نوع من المّن على المتلقي، وهذا أقسى تمرير للألم والتجريح عبر هذا النفق المؤذي، فإذا كان من سينفق سيتبع ما أنفق منّا فخير له الاحتفاظ بجميله لكيلا يزداد قبحاً عندما يرى النور، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن إشعار المرء بجميل معروف أسدي إليه وتكرار ذلك لا ينحصر تأثيره على الجانب النفسي فحسب بل إنه لا يلبث أن يفرز شكوكاً تنخر في صلب العلاقة وتنبئ عن وجود خلل ما، ففي حالة نكران الجميل وعدم رده بالشكل اللائق والمقبول إقصاء وإبعاد للمعروف والتوجس من فعله، وكذلك ما يرافق المعروف من منّ أيضاً يجهز على ما تبقى منه، وهكذا تتسع الهوة، فلم يبق الأول بعدم شكره وتقديره سبباً لامتداده، ولم يكن الثاني أوفر حظاً في تجسير الهوة، وهكذا تتم محاصرة المعروف وأهله في سياق لا يتسق بحال من الأحوال مع الأخلاق الفاضلة، وتنم بشكل واضح في قصور في استيعاب التقدير كمفهوم جليل جميل من كلا الطرفين، وهذا بدوره يحيلنا إلى إشكالية توحي بانعدام التوازن من خلال التعامل مع التقدير فكل بالغ في الإساءة إليه سواء من ناحية تهميش دوره أو إلحاقه بالأذى متعمداً كان أم خلاف ذلك، وفي واقع الأمر فإن هذه الخيوط المحيطة بكيفية التعاطي مع هذا المفهوم الرائع والذي يزيده تألقاً ولمعاناً حضوره المكثف، يطرزها وبدقة متناهية عبق الذوق الأخلاقي، حينما ترادف الابتسامة الجميلة كلمة الشكر والتقدير، وبقدر ما يفرض التباين أنماطاً مختلفة من حيث المستوى في التعامل مع التقدير، بقدر ما ينتزع الإعجاب ويثير الانتباه من حين لآخر، فعلى سبيل المثال تجد من يتعامل مع كلمة (شكراً) عشرات المرات في اليوم والليلة بيد أن نصيبها عند البعض لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في الشهر، مع العلم بأن ادخارها لا يحقق أي عوائد، بل إنه ضمور في الأريحية مقرون بنبرة التعالي التي ليس لها ما يبررها وما تجلبه من جفاف يصيب الينابيع التي تأبى إلا أن تتدفق وتضخ ما يتاح لها، حتى وأن كانت مالحة فإنها حتماً ستعبر محطات تحلية الأحاسيس والمشاعر لتحليها رقراقة عذبة، وغالباً ما يتم تداول تقدير المخاطر كمصطلح اقتصادي مرتبط باستشعار النتائج عبر التحليل والاستقراء الدقيق، ووفقاً لدراسة متقنة في هذا الجانب والحيلولة دون التعرض إلى هزات أو خسائر أو على أقل تقدير تحقيق الحد الأدنى منها، وسؤالي الذي أرغب في طرحه هو: لماذا لا يرادف مفهوم تقدير المخاطر تقدير الأمان أو بالأحرى المكاسب؟ وأعني بذلك إنصاف التقدير من جهة كأن يوضع في الخطة ما يرافق المكاسب من بذل وعطاء لقنوات الخير، فإذا كان التقدير للأسوأ يحتم تخصيص جزء من الأرباح لتجاوزه فإن التقدير للأحسن مقروناً بالنية الصادقة في تخصيص جزء لأعمال الخير ستصبح باذن الله فأل خير وامتداداً لشكر المولى عز وجل على دوام نعمه، بل إن البركة ستحل بإذن الله مزيحة هواجس الخسائر وآثارها السلبية وقال نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: "تفاءلوا بالخير تجدوه قال الشاعر: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس