11 سبتمبر 2025
تسجيلجاء الإسلام بتشريعات تحفظ للناس حقوقهم وأموالهم وذواتهم وممتلكاتهم بدوام الحكم الرشيد للسلطة، وقام بسن الحسبة التي تعادل وظيفة الرقابة الإدارية الحكومية، ووضع لذلك القوانين واللوائح التي تمنع كل سبل الغش والاعتداءات على المال العام والمخالفات الإدارية في شتى أصنافها وأنواعها ودرجاتها. ولنا في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب خير مثال على اهتمام الدولة بالحسبة والرقابة الحكومية الإدارية فقد كان عمر بن الخطاب إذا استعمل العمال (المحافظين على الولايات) على الأقاليم خرج معهم يوصيهم فيقول: إني لم أستعملكم على أشعارهم ولا على أبشارهم، وإنما استعملتكم عليهم لتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بالعدل. وكان عمر يقتص من عماله وموظفيه ويحاكمهم، فإذا شكا إليه أحد من عماله جمع بينه وبين من شكاه فإن صح عليه أمر يجب أَخْذه به أَخَذه به. ولم يكن عمر يكتفي بأن يحسن اختيار موظفي الدولة، بل كان يبذل أقصى الجهد لمتابعتهم بعد أن يتولوا أعمالهم ليطمئن على حسن سيرتهم ومخافة أن تنحرف بهم نفوسهم، وكان شعاره لهم: خير لي أن أعزل كل يوم واليًا من أن أبقي ظالمًا ساعة نهار. وقال أيضا: أيما عامل لي ظلم أحدًا فبلغني مظلمته فلم أغيرها فأنا ظلمته. وقال يومًا لمن حوله من مجلس الشورى: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل، أكنت قضيت ما عليَّ؟ فقالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا؟ وكان الفاروق يستعين بمحمد بن مسلمة الأنصاري في متابعة الولاة، ومحاسبتهم، والتأكد من الشكاوى التي تأتي ضدهم، فكان موقع محمد بن مسلمة كالمفتش العام في دولة الخلافة. واشترى يوماً عبد الله بن عمر بن الخطاب إبلًا فلما سَمِنت قدمت بها إلى السوق فرأها عمر. فقال عمر: لمن هذه الإبل؟! قِيل: لعبد الله بن عمر. فقال عمر: يا عبد الله بن عمر بخ بخ ابن أمير المؤمنين.، ما هذه الإبل؟! قال عبد الله: اشتريتها وبعثتُ بها إلى الحمى أبتغي بها ما يبتغي الناس. فقال عمر بن الخطاب: قال المسلمون: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين! اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين! أغد إلى رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين. فلا أعلم أحدًا من آل عمر أتى شيئًا مما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة، فإن أعين الناس إليكم كأعين الطير إلى اللحم، فإن انتهيتم انتهوا، وإن رتعتم رتعوا. رحم الله أيام أمير المؤمنين عمر، وأردف لأيامنا من يحيي الممارسات الراشدية في أنظمتنا العربية وإداراتها، فليس أقوم لعمل الحكومة الراشدة وطلب الحكم الرشيد إلا أن تكون رأس السلطة والإدارة الحكومية مؤمنة بأهمية العدالة الحكمية والرقابة الإدارية الفاعلة في المؤسسات العامة.