20 سبتمبر 2025
تسجيلكثيراً ما كنت أفكر عن سبب الحزن الذي يلفّ عالمنا العربي والإسلامي، حزن ينعكس في أشعارنا، وأمثالنا، وأقوالنا، وحياتنا اليومية كلها، وحتى في موسيقانا، وعندما قيل لأعرابي ما بال المراثي أجود أشعاركم؟ قال: لأنّنا نقول الشعر، وقلوبنا تحترق. والتفت من بعده السلطان عبد الحميد لأمر الحزن في الموسيقى العربية والتركية، وتحدث عن ذلك بإسهاب في مذكراته، فقال إن الموسيقى الغربية أكثر فرحاً وسعادة من موسيقانا العربية والتركية، وإن كان لم يتطرق إلى أسباب وجذور المشكلة، لكنه اعترف أن ثمة مشكلة في الأمر وأن الحزن هو سمة هذه الموسيقى بخلاف الموسيقى الغربية، إن كان من حيث أدواتها الموسيقية، أو من حيث معانيها، وحتى أدائها، ولعل ما أورده شاعر ألمانيا وفيلسوفها المعروف هودلرن يحلّ بعض اللغز حين قال: "ما أسعد الإنسان الذي يستقي فرحه وقوته من ازدهار الحياة في مجتمعاته، وأغانيه وقصائده وقصصه". ما أورده الشاعر الألماني فتح لي كوّة مهمة في فهم ما نعانيه من حزن، فكما قيل إن ما ينطبق على الأفراد ينطبق على عالم الدول، ولذلك تجد البعض منا لا يسعى إلى الاستمتاع بالحياة إن كان بالبحث عن المواد الجيدة لاستخدامها في بيته وعمله، والتي قد تريحه، كاللباس المريح أو أدوات البيت المريح، فيلتفت إلى الأرخص والأسهل وجوداً وحضوراً، مع قدرته في كثير من الأحيان على شراء الأغلى والأكثر راحة، ولكن ما يصدّه عن ذلك بذل بعض الجهد، فيؤثر بذلك الراحة المؤقتة على الراحة الطويلة الأمد، وكأنه يشعر أن حياته قصيرة ولا تستحق البحث الأطول وتحمل بعض المشاق من أجل راحته. بالمقابل تجد الغربي معني بحاله أولاً وبالدرجة الأولى، ومعني أيضاً بتوفير كل ما يسعده ويفرحه، وإن كانت الدولة تلعب دوراً مهماً في حالة السعادة والفرح هذه، إن كان من حيث قبوله بطريقة حكمها وأدائها، وقدرته بالمقابل على نقدها وتصويبها، واستماع الطرف الحكومي لهذا النقد والاعتراض والأخذ به، بينما نرى في الطرف الآخر عاقبة النقد والاعتراض في عالم الشرق العربي والإسلامي، الأمر الذي ينعكس في بعض الأحيان بحالة رمي البعض الأوساخ في الشوارع من السيارات وحتى من داخل سور البيوت، بينما ترى بيوته نظيفة ومرتبة، وكأن الوطن ليس له، وكأن ما خارج السور لا علاقة به، فسياج وطنه هو داخل بيته وفقط. الفرد الغربي معني بنفسه بالدرجة الأولى من حيث الرعاية المالية والاجتماعية، في ظل حالة الضمان المتوفرة من قبل الدولة، بينما الحال عكس ذلك في كثير من عالمنا العربي والإسلامي، ولذا تغيب المسؤولية الاجتماعية في العالم الغربي وتحضر في عالم الشرق العربي والإسلامي، وهذه المسؤولية الاجتماعية التي برزت في الغرب بعد الحرب العالمية الثانية وزيادة الجشع في السوق هناك، فضلاً عن الفضائح التي ظهرت في الإعلام الغربي بعيداً عن أي رقابة ومسؤولية اجتماعية، لكن ظاهرة المسؤولية الاجتماعية هذه متجذرة في عالمنا الإسلامي والتي تمثلت بالوقف الذي يقف فيه الشخص ماله وأرضه خدمة للشأن العام، ولربما كانت المسؤولية الاجتماعية أمراً بالتعاون على البر والتقوى، ودعم مشاريع الخير، وهي قضية متأصلة في عالمنا العربي والإسلامي وهي ما حض عليها الإسلام منذ الأيام الأولى للبعثة النبوية الشريفة، بينما يعيش الغربي حالة من الوحدانية والفردانية تاركاً المسؤولية للدولة. مثل هذه المسؤولية الاجتماعية قد تزيد من التلاحم والتعاضد بين أفراد المجتمع، ويشعر الفرد بسعادة العمل لتحقيقها من خلال منظمات وروابط وتعاونيات التي تضم أشخاصاً ندبوا أنفسهم للمهمة، ولكن مع هذا يبقى الحزن مسيطراً على الحالة النفسية والاجتماعة للشرق العربي والإسلامي، وهي سيطرة تأخذ بمعظم مناحي الحياة فيه، ولعلّ أسّ ومصدر وأساس الحزن في هذه الأيام هي المسافة الفاصلة بين الحاكم والمحكوم والتي تزداد في كثير من الدول مما تنعكس على حالة الفرد الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وتجعله قلقاً على مدار الساعة، فأكثر ما يحزن المرء في الغالب قلقه على المستقبل، وما دام الفرد غير آمن على حاضره فكيف سيشعر بالأمان على مستقبله؟!