10 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ وصولي إلى العاصمة الأفغانية كابول وحتى مغادرتي لها، والسؤال الكبير المطروح في كل جلسة واجتماع، لاسيما وسط المعارضين والمنتقدين لحكم طالبان لأفغانستان، منعهم لتعليم النساء في أفغانستان، حتى جعل ذلك مسؤولا أفغانيا رفيعا يقول نستطيع أن ندافع عن كل سياسة من سياسات الحكومة الأفغانية إلا هذا القرار الذي نراه غير معقول، وحين تتعمق في مسألة تعليم النساء في أفغانستان، تجد أن القضية تعود إلى قرن أو قرنين حين كان علماء تلك المنطقة يمنعون التعليم عن النساء بحجج واهية وهي أن التعليم يُفسد المرأة، ويدللون ربما بما جرى للمرأة الأفغانية وتحللها في جامعة كابول أواخر العهد الملكي ثم تعاظمه خلال الحكم الشيوعي. سعى علماء كثر ومن العالم العربي تحديداً خلال العقود الماضية، وخلال حكم طالبان إلى إقناع الحركة بتعديل موقفها، ولكن الواضح أن مسألة المنع غير مقتنع بها غالبية قيادات الحركة، باستثناء بعض المولوية ممن لهم نفوذ اجتماعي كبير، وبالتالي يصعب تجاوزهم، تماماً كما كان الأمر في المرة الأولى التي حكمت في الفترة الواقعة بين 1996- 2001، وهو الأمر الذي دفع اليوم كثيراً من الشعب الأفغاني وحتى من قيادات ومسؤولي طالبان أنفسهم إلى إرسال عائلاتهم بما فيها الزوجة والأولاد إلى باكستان وتركيا من أجل مواصلة التعليم، الأمر الذي أضاع أموالاً وجهوداً على الدولة الأفغانية، إذ عوضاً أن تنفق هذه الأموال في أفغانستان تذهب إلى الدول الأخرى، وهي التي بحاجة إلى كل روبية أفغانية نتيجة الفقر والبطالة والحصار الدولي المفروض عليها. تحدثت كثيراً مع المسؤولين الأفغان الذين التقيتهم ومع الشباب تحديداً التابعين للحركة والمنافحين عنها، فلا تجد منها إلاّ النظر إلى بعضهم والابتسامات ذات المغزى الكبير، وهم يحوقلون ويسترجعون، وبالتأكيد يرفضون مثل هذا القرار، وكنت أركز في أحاديثي معهم على أنني لن أتحدث عن الجانب الفقهي في ذلك، وإن كانت المسألة بينة واضحة بالنسبة لي، ولكن سأتحدث عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية لمنع التعليم عن المرأة الأفغانية، على المجتمع الأفغاني بشكل عام. كما هو معروف للجميع أن الرجل اليوم في الغالب يقضي غالبية وقته خارج البيت مشغولاً بتوفير لقمة العيش الكريم لعائلته، أو هو مشغول بالعمل السياسي والحكومي كما هو الحال مع الحكومة، وبالتالي فإن الأولاد الذكور المسموح لهم بالدراسة سيواجهون مشكلة حقيقية فيمن سيتابع دروسهم إن كانت أمهم أمية لا تقرأ ولا تكتب، والأب مشغول حتى آخر الليل، وإن عاد مبكراً سيكون تعباً لا يقوى على تعليمهم فضلاً عن الصبر عليهم، وإلاّ فسيُحمل الأب مسؤوليات وانشغالات كثيرة ومضاعفة على المترتبة عليه. نصف المجتمع إن لم يكن أكثر في بلد يخوض حروبا منذ نصف قرن، أكلت شبابه وشيبه، وضاعفت بالتالي من أعداد النساء فيه، ولذلك فإن نصف المجتمع أو أكثر حكمت عليه بالشلل وبعدم الفاعلية وعدم الإنتاجية إن أنت منعت المرأة من التعليم في أفغانستان، فضلاً عن مشاكل على مستوى الصحة والطب، حيث إن المرأة هي الوحيدة القادرة على تطبيب ومعالجة نظيرتها، وهو الأمر الذي سيخلق مجدداً مشاكل اجتماعية واقتصادية ونحو ذلك من مشاكل. ليس من العدل والإنصاف لا للإسلام العظيم أن يُرمى بمنع تعليم النساء، وليس من العدل والإنصاف أن يُحرم نصف المجتمع الأفغاني من التعليم، وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله على النصف الآخر، كون المرأة هي المدرسة الأولى، وهي الوحيدة القادرة والصبورة على متابعة دروس الأطفال، وبدون تعليمهن سيتحول المجتمع إلى مجتمع أمي جاهل، في عصر ندلف فيه إلى الرقمية والعصرنة والذكاء الاصطناعي، بحيث كل لحظة وكل دقيقة تقفز فيه الإنسانية ربما سنوات وقرون عما كانت عليه في الماضي.