10 سبتمبر 2025

تسجيل

أفغانستان.. الوجه الجديد 9 | إعلاميون أفغان لكن بلغة الضاد

06 أغسطس 2024

كانت خاتمة لقاءاتي في كابول مع عدد كبير من الإعلاميين العاملين في مؤسسات الدولة الأفغانية الجديدة، إذ دعاني إلى اللقاء الأخ ريحانة الأفغاني صاحب الهمة والنشاط العاليين، وصاحب الحساب المعروف باسمه على منصة إكس/ تويتر سابقاً. ذهبت إلى مكان اللقاء في بيت بحي وزير أكبر خان أرقى أحياء كابول، فوجدت أكثر من عشرين إعلامياً أفغانياً، غالبيتهم العظمى تتحدث اللغة العربية الفصحى، وممن يعملون في مؤسسات الدولة، وذلك في مجال العلاقات العامة، أو في وزارة الإعلام، حيث لديهم جميعاً حسابات قوية على منصات التواصل الاجتماعي، فكانوا بحق لسنوات عين أفغانستان على العالم، وعين العالم العربي على أفغانستان، واللافت في الأمر اطلاعهم على تفاصيل أحداث العالم العربي من سوريا، والعراق وليبيا إلى فلسطين وأحداثها، ولا يدخرون جهداً في التعريف بقضيتهم، والتعريف بقضايا العرب وسط حاضنتهم. كان الحاضر الأكبر في هذا اللقاء الأخ والزميل العزيز سعد الله البلوشي الذي يدير مجلة الصمود الطالبانية الشهرية، وهي المجلة التي بدأت مسيرتها المهنية منذ انطلاقة المقاومة الطالبانية ضد قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد حرص الجميع في اللقاء الذي امتد لأكثر من ثلاث ساعات على الاستماع، ثم على طرح الأسئلة والاستفسارات، حيث تحدثت كما رغبوا عن سبل تعزيز العلاقات الإعلامية العربية ـ الأفغانية، وضرورة إطلاع الشعب العربي على الوجه الجديد لأفغانستان، واستدلّ الحاضرون بجهودهم في جذب بعض شخصيات اليوتيوبرز من الدول العربية ليقوموا بتقديم صورة أفغانستان الجديدة والتي كان لها عظيم الأثر في تبديد الصورة النمطية السلبية عن الواقع الأفغاني لدى الشعب العربي. الواقع أن كثرة الناشطين والإعلاميين في أفغانستان تعكس في الحقيقة اهتماماً إعلامياً طالبانياً أولاً بالساحة العربية، وثانياً يعكس اهتماماً باللغة العربية، والتي تعد الحاضر الأكبر اليوم هناك، فأينما اتجهت إلى دوائر الدولة تجد من يتحدث بها، وبشكل فصيح وواضح، وحتى أن مترجمي المسؤولين الأفغان يتقنون اللغة العربية بشكل مذهل، وهو ما أثار استغراب حتى المسؤولين العرب الذين كانوا يترجمون لهم خلال الاجتماعات الرسمية، فضلاً عن أن بعض المسؤولين يتحدثون العربية بسلاسة، كما حصل معي خلال لقائي مع الشيخ عبد السلام حنفي نائب رئيس الحكومة. تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حسابات مهمة للناشطين والإعلاميين الأفغان، ومن هذه الحسابات، حساب مجلة الصمود الناطقة باللغة العربية، وهي مجلة شهرية صدرت منذ سنوات المقاومة الطالبانية ضد القوات الأمريكية، بالإضافة إلى حسابات شخصية مثل حساب ريحانة الأفغاني، وخالد أنس، وفهيم الأفغاني، وموقع أفغانستان بالعربي، ومنصات حريت وغيرها من الحسابات التي تشكل رافعة اليوم للعلاقات العربية ـ الأفغانية، ليفهم كل طرف الآخر، كما يعمل الإعلاميون الأفغان على استقبال نظرائهم من العالم العربي، فيحرصون على اللقاء بهم، والحديث إليهم، وتوضيح صورة أفغانستان الجديدة، بالإضافة إلى تعريف اليوتيوبرز بما آلت إليه أفغانستان بعد رحيل القوات الأجنبية عن أفغانستان، وقد ظهرت آثار اليوتيوبرز في رحلات العديد منهم خلال السنوات الثلاث التي أعقبت تحرير أفغانستان. لا شك فإن الجهود الكبيرة التي يبذلها الناشطون والإعلاميون الأفغان في مجال رصد كل ما يرد من الإعلام العربي لافت ومميز، فحين يرى هؤلاء الإعلاميون، أن قناة فضائية، أو مؤسسة إعلامية، قد نشرت ما يسيء للدولة، يقومون بالرد عليها علمياً ومنطقياً، ويستدعون بذلك التاريخ والمقاربات والمقارنات، عبر مقاطع فيديو أو أنيميشن، ووسائل إخراجية وإنتاجية حديثة، الأمر الذي يجعلهم متفوقين حتى على خصومهم وأقرانهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وكما حدثني زميل صحفي عربي معروف لا يعرف أفغانستان ولم يزرها من قبل، ولكن يتابع أخبارها بشكل عادي، قال لي لقد ذهلت للطريقة التي يقومون بها بالتعريف ببلادهم والدفاع عنها، إضافة إلى ذهولي لطريقة تقديمهم حفلاتهم واجتماعاتهم، وحتى مقاطع الفيديو التي يروجون بها لجيشهم ومقاتليهم، والأسلحة العسكرية التي يحوزونها، وهي صورة راقية محببة، وكأنهم دولة حقيقية، بخلاف ما يروج عنهم من صورة سلبية. الأمر المهم الذي ينبغي الإشارة إليه هنا، وهو أن أي تغريدة أو منشور يتم نشره على منصات التواصل الاجتماعي، يحصد سريعاً كثيراً من إعادة التغريدات والمشاركات والإعجابات، ومعه عشرات الآلاف من المشاهدات، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على مقبولية لأصحاب الحسابات وسط الجماهير العربية المتعطشة لمعرفة ما جرى ويجري في تلك المنطقة المهملة والمهمشة إعلامياً من العالم الإسلامي، بالإضافة إلى قدرة هؤلاء الإعلاميين على ترويج الحسابات لدى الآخرين، فهم لا يدعون أي مسألة أو تساؤل بحق أفغانستان يمرُّ دون تعليق أو نقد أو مدح أو قدح، وهو الأمر الذي جعل كثيراً من الحسابات المنتقدة لهم أن تتحسب لهؤلاء الشباب المرابطين خلف أزرار الكمبيوتر، وتفكر مرات ومرات قبل الإقدام على مهاجمتهم. هؤلاء الإعلاميون الجدد يرون أن ما يقومون به واجباً لا يقل عن واجب المقاتل الأفغاني، وهنا ينبغي الإشارة إلى دورهم المهم والمؤثر والسريع في ترجمة كثير من البيانات والأخبار وتوزيعها على حسابات الشخصيات العربية المشهورة والمعروفة، وذلك من أجل نشرها أولاً على حسابات قوية ليست بحساباتهم وهو ما يكسبها مصداقية ومهنية أقوى، بالإضافة إلى قبول لدى متابعي تلك الشخصيات المعرفة، فضلاً عن كسب أصحاب الحسابات أنفسهم لصالح الدولة، وإبقائها مطلعة على ما يجري في أفغانستان. الإعلام هو المعركة اليوم، والإعلام اليوم هو باني الدول وسمعتها في الداخل والخارج، ولكن أجدني قبل أن أنهي مقالي هذا من الحتمي والضروري تسجيل رأي زملائي الإعلاميين الآخرين، الذين يشكون من تقييد حركتهم في تغطية الأحداث الأفغانية، والسماح فقط للموالين للحكومة الأفغانية، وباعتقادي هذا خطأ، فاليوم لم يعد بالإمكان حجر الإعلامي في ظل تفشي ظاهرة المنصات الرقمية كالفطر، ومن حق الإعلامي أن يمارس مهنته، ومن واجب المسؤول أياً كان تهيئة الظروف للإعلامي من أجل نقل الحقيقة، ويبقى هناك مؤسسات تشرع القوانين، ومؤسسات تعمل على تطبيقها، ومؤسسات تعاقب من يخترقها، وذلك لضمان عدم تغوّل الإعلامي، على السياسي، والعكس صحيح.