10 سبتمبر 2025
تسجيلكانت المرة الأولى التي أدخل إليها، حيث المهابة والوقار والعراقة. جامعة كابول التي تحيط بها الأشجار التي تحكي قصة عراقة وصناعة قرار، فهنا كان الجدال الذي لطالما سمعنا عنه بين الشيوعيين والإسلاميين، وهنا كان يدرس بابرك كارمل وتراقي ونجيب الله وغيرهم، وهناك كان يدرس سياف وغلام نيازي ورباني وحكمتيار ومسعود وغيرهم. رحل بعضهم وأتى آخرون، ولكن ظلت جامعة كابول علماً ليس على مستوى أفغانستان وإنما على مستوى المنطقة كلها. حرصت منذ أن وطأت أقدامي كابول على زيارة هذه الجامعة العريقة التي يتوسطها مرقد جمال الدين الأفغاني الذي يتفاخر به الأفغان، والذي حرص الملك ظاهر شاه خلال فترة حكمه الممتدة لأربعين عاماً 1933- 1973 على نقل رفاته من تركيا إلى جامعة كابول. لكن لم أتمكن من زيارة المرقد، فقد قيل لي إنه في حالة صيانة والطرق المؤدية إليه صعب الوصول إليها، ونظراً لانشغالي يومها عزفت عن الزيارة، أملاً في توفر فرصة أخرى. جلس الدكتور أسامة عزيز 38 عاماً وهو أستاذ الفقه والشريعة في الجامعة، يشرح لي عن الجامعة وأقسامها وطلبتها، وحاجياتها وتحدياتها، وخططها المستقبلية، كان لقاءً جميلاً استمر لساعتين تقريباً، قال لي: ( إن عدد الطلبة ذكوراً وإناثاً 22 ألف طالب، تستوعبهم 22 كلية، أما جامعة الطب فهي مستقلة لا علاقة لها بالجامعة، يدرس فيها ثلاثة آلاف طالب وطالبة، ويبلغ عدد المحاضرين في جامعة كابول 700 أستاذ، هاجر منهم 200 ولكن لدينا الآن ما يقارب 650 أستاذا). يترأس الجامعة رئيس، وينوب عنه أربعة نواب: نائب الرئيسي للشؤون الأكاديمية ويشمل المناهج والأساتذة، ونائب الرئيس لشؤون الطلبة، ونائب الرئيس للإدارة المالية، ونائب الرئيس للبحث العلمي والتحقيق، وينتشر في أفغانستان 150 جامعة رسمية وغير رسمية، منهم 40 جامعة حكومية. خلال فترة الفوضى التي ألمت في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، غادر كثير من محاضري الجامعة، لكنهم آثروا العودة، حين لمسوا حالة الاستقرار، وكان منهم عميد كلية الكيمياء الذي عاد إلى كليته، وعاد معه أساتذة كلية اللغة الانجليزية، ويقول عزيز: ( إن بعض الأساتذة بفضل الله غادروا إلى تركيا وماليزيا وأكملوا الدكتوراه، وعادوا للتدريس في الجامعة.) يزيد عزيز ( واجهتنا مشاكل في البداية وهي قلة المدرسين، ولكن تغلبنا عليها بالاستفادة من المتقاعدين، ممن لديهم القدرة والاستعداد والرغبة للعودة إلى التدريس، كما استفدنا أيضاً من البعثات التي أوفدناها إلى الخارج فأكملت تحصيل درجة الدكتوراه، وعادت للتدرس.) وحين سألته عن المنهج الدراسي الذي كان معمولاً به خلال فترة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، هل تم تعديله يقول عزيز: ( هناك حالة مراجعة مستمرة وبشكل مستمر لكل المناهج، مستفيدين من خبرات أساتذة جامعة كابول وننجرهار وكل جامعات أفغانستان، فيدرس كل متخصص المنهج الذي يعنيه، ويقدم تعديلاته عليه، وتتكفل لجنة بدرس هذه التعديلات والتغييرات الطارئة.) ويشير الدكتور أسامة عزيز إلى أن برنامج النسوية الذي كانت أسسته زوجة الرئيس أشرف غني في جامعة كابول، قد تم إلغاؤه ويضيف: (هذا المنهج الذي تم استحداثه تخطى كل الإجراءات الرسمية والقانونية والإدارية، ولم يخضع حتى لإجراءات الجامعة المتبعة، فقد أتى بقرار من فوق، ولذ تم إلغاؤه. وبالمقابل قمنا باستحداث دراسات أفغانية، وهو موضوع مهم لأفغانستان اليوم، وتقدم أكثر من 200 طالب لهذا البرنامج، لكن تم اختيار 30 طالبا فقط للفصل، ونعمل على إيجاد فصل ثان، أما مادة الثقافة الإسلامية كمتطلب جامعي فقد حظيت بساعتين فقط قبل حكم الإمارة الإسلامية، لكن اليوم فبلغت ثماني ساعات، وتشمل العقيدة والفقه والسيرة والتاريخ.) وبخصوص اللغة العربية، كشف رئيس الجامعة: ( ستقوم وزارة التعليم العالي العام القادم بإضافة اللغة العربية كمتطلب أساسي في مواد العلوم الاجتماعية أسوة باللغة الانجليزية، وهو الأمر الذي سيساعد على تعزيز اللغة العربية ودورها في مستقبل أفغانستان). في الجامعة اليوم 35 برنامج ماجستير، بعد أن أضيف إليه برنامج الدراسات الأفغانية، والدعوة والإعلام، والزراعة، والطاقة المتجددة، كما اعتمدت برامج دكتوراه في تخصصات الفقه وأصوله، واللغتين البشتو والدري أي الفارسي الأفغاني، بالإضافة إلى الكومبيوتر والزراعة. وحين سألت الدكتور عزيز عن معالجتهم لقضايا المقاتلين المنقطعين عن الدراسة أجاب: ( إذا كان المقاتل قد انشغل بالأمور الجهادية يعود إلى نفس الفصل شريطة أن يكون قد مضى على انقطاعه أقل من سنة، فإن مضى على انقطاعه أكثر من سنة فينزل فصل واحد فقط، أما إن كان انقطاعه أكثر من خمس سنوات فينزل سنة كاملة. ويتولى أميره الميداني تزكيته، أما الأساتذة الذين فصلوا من الجامعة بسبب الجهاد فيعودون إلى الجامعة فوراً). وعن رسوم التعليم في الجامعة يقول الدكتور عزيز: ( مرحلة البكالوريوس مجانية تماماً بما فيها السكن والطعام، ويشمل ذلك كليات الطب والهندسة، أما برامج الماجستير والدكتوراه فمدفوعة الأجر، فطالب ماجستير الهندسة كان يدفع خلال الحكومات السابقة ما يعادل 500 دولار، أما اليوم فالقسط فقط 300 دولار، بينما طلبة العلوم الاجتماعية فهي بحدود 250 دولار. ويكشف رئيس الجامعة بأنه طوال فترة الاحتلال الأمريكي الممتدة لـ عشرين عاماً لم تعقد الجامعة مؤتمراً علمياً واحداً، (ولذلك فقد بدأنا بأول مؤتمر عن تعزيز التعليم العالي في أفغانستان، وقدمت فيه مائة ورقة بحثية من أفغانستان وخارجها، وشارك بعضهم عبر النت، وتم اختيار 25 ورقة منه، وتبع هذا مؤتمر لجامعة ننجرهار عن التبدلات المناخية، وعقدت جامعة البوليتكنيك الهندسية في كابول مؤتمرها أيضاً، والآن نستعد لمؤتمر عن المصالح الزراعية والثورة الخضراء في أفغانستان، ولقد حصلنا على مائة بحث علمي، وسيشارك 15 أجنبيا في هذا المؤتمر من دول أمريكا والسعودية وكندا والسعودية وباكستان وسريلانكا، وكلفة السفر والإقامة على الجامعة). الظاهر أن الحكومة الجديدة ومعها إدارة الجامعة تعوّلان كثيراً على التعليم في أفغانستان، وتحديداً التعليم العالي بقدرته على تطوير البلاد على كل المستويات، ولذا فقد أتى ظهور وزير الدفاع الأفغاني ملا يعقوب نجل الملا محمد عمر في جامعة كابول وحث الطلبة على العلم، والتعهد لهم من قبل الجامعة بمجانية التعليم ليعزز هذا كله.