17 سبتمبر 2025

تسجيل

قصة حدثت ولم تحدث

31 يناير 2021

لاحظ مدير شركة تعمل في المجال الزراعي بأن هناك مبالغ كبيرة تصرف على قطع الغيار ومعدات الصيانة للجرارات المستخدمة في حرث الحقول الزراعية المملوكة للشركة، والتي لم يمض على شرائها أكثر من خمس سنوات مع أن العمر الافتراضي لمثل هذه الجرارات هو حوالي 10 سنوات، مما أثار الشكوك لديه بأن هناك خللا ما في المنظومة التشغيلية للإدارة الزراعية للحقول. وكان أول ما قام به المدير هو الذهاب إلى موقع الجرارات في الحقول ومقابلة مشغليها من سائقين وفنيي الصيانة والوقوف على النظام التشغليي للمعدات، وبعد المعاينة وجد أن القائمين على الأعمال يتمتعون بدرجة كبيرة من الخبرة والمهارة والدراية في التعامل مع مثل هذه المعدات مما زاد من حيرته، فقد كان سوء استخدام المعدات هو أول ما خطر على باله اتجاه هذه المشكلة. توجه بعد ذلك مدير الشركة إلى قسم المخازن ولكن هذه المرة اصطحب معه أفضل فني صيانة في الشركة، وطلب من مسؤول المخازن تزويده بكشف مفصل عن جميع قطع الغيار التي صرفت منذ استلام هذه المعدات، وطلب من فني الصيانة مراجعتها ومعرفة ما هي أكثر قطع الغيار عطلاً، وبعد مراجعة جميع السجلات لاحظ الفني بأن هناك تسلسلا زمنيا معينا يتكرر في حدوث أعطال لقطع مختلفة في المحرك متزامنا مع عطل قطعة واحدة وهي "المرشح" الموجود في خزان الوقود، كما وجد أن هناك كمية كبيرة مخزنة منذ فترة طويلة وحسابيا لا تكلف الشركة أي مبالغ تذكر. قدم الفني تقريره لمدير الشركة وأوصى بأن يتم استبدال المرشحات بأخرى جديدة وذات نوعية أفضل وأن تتم مراقبة الأعطال بشكل دوري للتحقق من أداء الجرارات، وبالفعل أمر مدير الشركة بعمل الإجراءات الأزمة لتحقيق ذلك مع رفع تقرير شهري لأعطال الجرارات، وهنا كانت المفاجأة بأن الجرارات استمرت بالعمل بدون أعطال رئيسية لأكثر من أربع سنوات، بالإضافة إلى انخفاض الصرف على قطع غيار الجرارات بنسبة كبيرة. عزيزي القارئ إن هذه القصة لم تحدث، ولكنها حدثت، ولا غرابة في ذلك فهي لم تحدث بصورة الشركة الزراعية والجرارات، ولكنها حدثت وعشتها بتفاصيل أخرى، وما يهمنا هنا هي الدروس المستفادة من هذه القصة. ولعل أهم درس تعلمته شخصيا من هذه القصة هو أهمية التوثيق والأرشفة والتي للأسف لا يدرك الكثير ممن يعملون في القطاعات المختلفة مدى أهميتها عندما تستخدم بشكل صحيح في حل الكثير من المشاكل والعقبات التي تواجه أي منظومة أو كيان في القطاعين الخاص والعام. وبالرغم من اختلاف التعريفات فيمكن تعريف التوثيق والأرشفة بشكل عام، بأنه علم السيطرة على المعلومات، فمن خلالهما تجمع المعلومات بصورها المختلفة لتشكيل قاعدة بيانات أو معلومات تحفظ وتفهرس بطريقة وآلية تسهل على المستخدم الوصول إليها والاستفادة منها. ولقد أدركت دول عديدة أهمية الحفاظ على المستندات والبيانات والمعلومات والوثائق وأرشفتها وتخزينها إلكترونيا، بل إن بعض الدول ذهبت الى أبعد من ذلك بتطبيقها لنظام توثيق وأرشفة لكل مستند يصدر من أي دائرة رسمية حتى وإن كان مجرد تعديل في أوقات العمل. ولعل أهم ما في الأمر هو كيفية الاستفادة من الحجم الهائل من المعلومات التي تتوافر خلال سنوات أو عقود من الزمن، وللاستفادة المثلى من هذه المعلومات لابد أن تكون هناك أولا جهة مسؤولة عن جمع المعلومات وتوثيقها وأرشفتها ومن ثم توفير أنظمة بحث للتعامل مع هذه المعلومات، وأخيراً إيجاد آلية أو نظام برمجي معين لتحليل هذه المعلومات والبيانات لتساعد الباحث للوصول إلى مبتغاه. @drAliAlnaimi