18 سبتمبر 2025

تسجيل

المشهد الثقافي واستحالة التأصيل

30 ديسمبر 2020

المتابع للمشهد الثقافي في بلدنا، يجد صعوبة وربما استحالة في القدرة على التأصيل لحركة ثقافية قائمة على التعددية، على الرغم من أن مثل هذا الافتراض كان ممكنا في عقود سابقة. مالسبب ؟ وكيف تشكلت مثل هذه الاستحالة المفترضه؟ كنت قد تعرضت في عدة مقالات سابقة (مواطن بين ثقافتين) و(القطري الجديد)، وغيرهما لبعض أسباب صعوبة التأصيل لحراك ثقافي يعكس تطوراً حقيقياً يتماشى مع التطور المادي الذي تشهده البلاد. الآن أعود مرة أخرى لمزيد من التفصيل، علينا ألاّ نخلط بين مفهوم التعددية ومفهوم الطبقية؛ التعددية تخلق الهوية من خلال الاختلاف، بينما الطبقية هوية جاهزة تأتي أولاً لتحدد التعددية التابعة لها. هناك اليوم ثلاثة أشكال للمشهد الثقافي في قطر؛ كل منهم يغنّي على ليلاه. الشكل الأول: يتجه نحو الخارج بنشاطه ومنشوراته وأبحاثه، وتمثله بعض مراكز الأبحاث والدراسات سواء التعليمية أو التلفزيونية. الشكل الثاني: يتجه نحو المجتمع المحلي ونشاطاته وتقاليده، وتمثله وزارة الثقافة ونشاطات كتارا والصحف المحلية. الشكل الثالث: وهو الثقافة الرسمية أو ثقافة السلطة، وهي خارج إطار الثقافتين كجوهر متعالٍ يؤثر ولا يتأثر، وهي صفة تلازم جميع أشكال الثقافة في جميع بلداننا العربية. ففي حين تنادي ثقافة المجتمع مثلاً بمجتمع مدني تأتي ثقافة السلطة لتوفر لها ذلك رسمياً، وحين تحتاج الثقافة المتجهة إلى الخارج مزيداً من الدعم تأتي ثقافة السلطة الرسمية لتحقق لها ذلك، وبالتالي تصبح جميع التشكيلات الثقافية داخل المجتمع تشكيلات رسمية من جمعيات ومبانٍ وغير ذلك. وهكذا، فنحن بصدد ثقافة واحدة وإن انقسمت بين تابع ومتبوع؛ لا يوجد تفاعل حقيقي بين هذه الأشكال الثقافية في المجتمع، يمكن ملاحظة ذلك بسهولة، فأقصى ما قد ينادي به المجتمع ثقافياً لا يتعدى ماهو مرسوم له ضمناً، هذا الشكل من المشهد الثقافي هو أفقر المشاهد ثقافياً على مستوى المجتمعات، وأخطرها على المستقبل، فلا هو نتيجة جدل إيجابي بين القضية ونقيضها ينتج عنه مركب ثالث يدفع بالأمور إلى التطور، ولا هو جدل سالب يحفظ للفرد كيانه في مقاومة شمولية الاندماج وضياعه في خضم المجموع. لذلك تجد الثقافة إلى حد كبير موسمية، والحماس لها يصعد حيناً ويتلاشى في بقية الأحيان، والمثقفون بورصة وأسعار وبالونات في فضاء المهرجانات. [email protected]