20 سبتمبر 2025

تسجيل

الديمقراطية في الذهنية العربية

30 ديسمبر 2019

دخل مفهوم الديمقراطية في الذهن العربي ليخرج منه شيئاً آخر ليس له نصيب منه سوى الاسم. من المعروف أن الفكرة ؛ أى فكرة، أو الصورة عندما تنطبع في ذهن الفرد لا تخرج منه أو لا يراها هو كما هي في ذاتها، وإنما كما صورها له ذهنه بما كان يحمله من صور وأفكار قبلية نتيجة التجربة والتربية، بالإضافة إلى عاملي الزمن والمكان، هذه قررها "كانت" منذ قرون، ونقل بها الفكر الإنساني نقلة كبيرة من الإيمان بأن هناك حقيقة يتفق عليها كل البشر إلى نسبية هذه الحقيقة ليمكن أثر ذلك التعايش بسلام بين بني البشر. على كل حال ما يهمنا هنا هو كيف استقبل الذهن البشري الديمقراطية كفكرة وكيف تعامل بها بعد ذلك. كانت فكرة طوبائية يونانية وتطورت بتطور الذهن البشري نفسه وكنسه لما قد يحول واستيعابها شيئاً فشيئاً عبر تعرجات تاريخية مؤلمة، ومع ذلك تشكلت هذه الديمقراطية بما احتواه الذهن البشري من تصورات قبلية، فنرى مثلا الديمقراطية الفرنسية تختلف عن تلك القائمة فى بريطانيا أو تلك الأخرى في أمريكا أو في الدول الإسكندنافية أو في المانيا. جميع هذه الاختلافات كانت أساسياً لاختلاف الصور القبلية المترسخة في الذهن؛ انظر إلى المملكات الدستورية هي انعكاس للذهنية القبلية السائدة سابقاً، لم يستطيعوا محوها، ولكن كيفوها مع العصر المعاش ؛ انظر ألى الأحزاب الدينية في أوروبا لم يتخلصوا منها كصور قبلية في ذهن الأوروبي للعصر الديني الذى عايشته أوروبا ولكن أدمجوها بالعصر؛ انظر إلى الديمقراطيات الاشتراكية لأن الماضي الاشتراكي لتلك الشعوب وصوره القبلية في الذهن لا يمكن محوها بسهولة ولكن حدثوها وجعلوا منها طريقاً للمستقبل، والأمثلة كثيرة هناك. تعال الآن إلى عالمنا العربي واستبساله في تلهفه لمفهوم الديمقراطية في الوقت الذى يكرس فيه صوره وأفكاره القبلية الموجودة في ذهنه ولا يسمح بأن تمس أو تعدل، مسايرة للعصر فتصطدم الفكرة بالصورة القبلية المتجسدة والمحفورة حفراً في ذهن العربي ليخرج المنتج مسخاً كالذى نراه أو نسمعه ؛ جمهوريات ديمقراطية، وجمهوريات شعبية ديمقراطية وديمقراطيات إسلامية. الصور الذهنية القبلية من الثبات بمكان أنها تطرد أو تشوه جمال الفكرة واصطياد محاسنها، عندما ترتطم قيم الديمقراطية بصور الذهنية العربية الأساسية تخرج شيئاً آخر يدمي القلب ويذبح المفهوم ذبحاً. فاصطدام مفهوم المساواة مثلاً بصور التمييز الحية في ذهنية العربى يكون النتاج فئوياً ومحصوراً بلاشك كأن تكون للرجال دون النساء أو لفئة دون غيرها. انظر لما تصطدم قيمة الحرية بذهنية العربي وصورها الاستعبادية والتمييزية الكثيرة طبقا للعائلة والطائفة والعرق، ماذا ينتج وكيف يمكن للعربي صاحب هذه الذهنية أن يراها كقيمة. فالكلام كثير عن الديمقراطية ولكن الناتج صفر. الصور القبلية أو الأفكار الأولية هي صاحبة السيادة أيها السادة، هذه تحتاج إلى كنس أو تشذيب بحيث لا تدمي ما يصل إليها ويستقر إلى جانبها. نحن بحاجة إلى التاريخ لا لنعيشه فقط ولكن لكي نتعلم منه كيف نعتنى بأذهاننا على الأقل، معركتنا مع الديمقراطية معركة ذاتية، ليست معركة بوش ولا أمريكا، نحن نقول بعدم جدوى استيرادها وفي نفس الوقت نقول لابد من تصحيح مفاهيمها وقيمها في أذهاننا "فالنيجاتيف" داخل الذهن مشوه فأنى للصورة أن تشرق، فإذا سيطرت القبلية على الذهن فالديمقراطية القادمة قبلية الأطراف واليدين، وإذا سيطرت الطائفية على الذهن كذلك فالديمقراطية القادمة طائفية الأسنان والأنياب، وهذا في حد ذاته جذف في حق القيم والمفهوم ذاته وتزوير يندى له جبين الإنسانية. أعيدوا النظر في الصور والأفكار المتجسدة في أذهانكم وأخرجوها من قدسيتها، نكن في أول الطريق. [email protected]