11 سبتمبر 2025

تسجيل

الضحك على المتقاعدين

30 ديسمبر 2018

أتاني أحد الأصدقاء، ممن تم تحويلهم للتقاعد قسراً، يشكو من هم تزويج أحد أبنائه، وهو لا يملك إلا معاشه التقاعدي الذي يعتاش منه مع أفراد أسرته. ويقول هذا الصديق أنه ذهب إلى البنك الذي يتم تحويل معاشه إليه طالباً سلفة لتزويج ابنه، ولكن البنك رفض إعطائه أي مبلغ بضمان المعاش، وذهب إلى بنك آخر واعداً إياهم بتحويل معاشه إذا وافقوا على القرض، ولكن هذا البنك رفض بمجرد علمه بأن صاحب الطلب من فئة المتقاعدين. قلت له لماذا لم تتقدم إلى الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية؟ قال لقد ذهبت للهيئة وقدمت طلباً لاستبدال جزء من معاشي التقاعدي، حسب ما جاء بالمادة (24) من قانون رقم (24) لسنة 2002 بشأن التقاعد والمعاشات، ولكن الهيئة رفضت ذلك قائلة أن القانون قد ذكر الاستبدال، ولكن هذا الجزء من القانون لم يتم العمل به حتى الآن لعدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون. وبالرجوع للقانون المذكور وجدنا أن المادة (24) تنص على أنه «يجوز للموظف أو العامل المستحق للمعاش، أو صاحب المعاش طلب استبدال مبلغ نقدي بجزء لا يزيد على نصف المعاش». وبمراجعة النص يتبين لنا أن ادعاء الهيئة في غير محله. ففي هذه المادة لم يتم ذكر اللائحة التنفيذية عند الاستبدال الأولي، وهذا يعني وجوب تنفيذ المادة وقت تفعيل القانون. أما عند إجراء أكثر من استبدال فهنا لابد من انتظار اللائحة التنفيذية، وهذا يظهر جلياً من صياغة المادة (25) «يجوز للموظف أو العامل المستحق للمعاش أو صاحب المعاش إجراء أكثر من استبدال في حدود نصف المعاش المستحق له عند طلب الاستبدال، وذلك وفقا لما تبينه اللائحة التنفيذية». إنه لمن المعروف لدينا أن غالبية المسئولين لا يتكبدون العناء في فهم القانون ولا روحه، بل ونجد المستشارين، وغالبيتهم من غير القطريين، يسارعون في شرح ما يعرض عليهم حسب ما يريده المسئول، وليس حسب القانون أو روحه. إن مسئول الهيئة الذي لم ينفذ المادة (24) قد ارتكب عدة مخالفات، أخطرها أنه خرج عن طاعة ولي الأمر في عدم تنفيذه للقوانين التي سنها لتنظيم الحقوق والواجبات على هذه الأرض الطيبة، ومن بين المخالفات أن هذا المتقاعد يعتقد أن تعيين المسئول هو لخدمته، ولهذا فهو حكم صادق في ادعائه. إن ولي الأمر، حفظه الله، انصف المتقاعدين، وأصدر القوانين المنظمة التي تضمن حقوقهم، ولكن، وللأسف، نجد أن بعض المسئولين يتفننون في ضياع تلك الحقوق. إن هناك خللاً واضحاً في تطبيق قانون التقاعد والمعاشات، ولهذا فإنه ليس بغريب أن تجد أروقة المحاكم تغص بالعديد من الدعاوى المعنية بالتقاعد والمعاشات، والحرمان من مكافأة نهاية الخدمة، وهذا يدل في حد ذاته على عدم تطبيق بعض المسئولين الإداريين للقانون المعني بحقوق الموظفين بعد إحالتهم للتقاعد. إن الموظف، وهو على رأس عمله، له الكثير من الحقوق والبدلات والتي تجعل من حياته وحياة أسرته سعيدة، وفوق ذلك يشعر بالأمان من وجود قانون التقاعد والمعاشات الذي سيحميه في المستقبل ويحمي أسرته. ولكن ما أن يحال للتقاعد، وغالبيتهم احيلوا للتقاعد قسراً، يتم نزع البدلات عنه ويصبح به مستوى الراتب أقل من مقابلة مستوى المعيشة الذي تعود عليه. وفوق ذلك يتم خصم بدل السكن الذي كان يغطي جزءاً كبيراً من مصاريف حياته اليومية. أما إذا كان الموظف من المستفيدين بنظام الاسكان الحكومي فإنه يطلب منه المغادرة ليبحث له عن مسكن بالإيجار، وهذا سيتسبب في فقدان المتقاعد جزء كبيرمن مخصصاته الشهرية (متوسط الإيجارات حوالي 10 آلاف ريال شهرياً) مما سيقوده إلى دائرة السلف والقروض، وسيحول هذا الأمر، بدون شك، الأسر القطرية من أسر مستقرة إلى أسر تكثر فيها المشاكل، ويتعرض أفرادها إلى مشاكل نفسية ليس لها أول ولا آخر. كان المؤمل أن تقوم الهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية بدورها في «تأمين الحياة الكريمة للمتقاعدين والمستحقين عنهم». ولكن، وللأسف، فقد كان دورها سلبياً إلا من بعض استجداءات الخصومات من المحلات التجارية لصالح المتقاعدين، غير مدركين أن الخصومات في المجتمعات المتقدمة تعتبر حقاً طبيعياً للمتقاعد تقديراً لدوره السابق في بناء المجتمع. أما ما عدا ذلك فإن دورها الحقيقي يميل لتضييع الحقوق على المتقاعدين. وفي كل مرة يصرح أحد مسئوليهم بأن الهيئة قد رفعت مقترحات لتعديل القانون من شأنها تحسين أوضاع المتقاعدين، فإن هذا يعني مزيداً من ضياع حقوق المتقاعدين. ففي آخر تصريح، نجد أن مدير إدارة التخطيط والجودة بالهيئة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية، قد ذكر بأن هناك عدة مقترحات لإصلاح نظام التقاعد والمعاشات، تم رفعها للسلطات المختصة، لتحقق ركيزة التنمية الاجتماعية (انظر الشرق 14/12/2018). وبقراءة هذا التصريح بعمق نجد أن التعديلات المقترحة كلها تصب لتحسين الموارد المالية لصندوق التقاعد والمعاشات، ولجعل القطريين يدفعون للصندوق نسب اشتراكات أعلى ولمدة أطول عن طريق رفع سن التقاعد، وعن طريق محاولة زيادة الخصم المستحق من المعاش التقاعدي بسبب العمر، مع العلم أن كثيرا من المجتمعات تربط التقاعد بالمدة الزمنية لممارسة العمل وليس السن. أما في الجانب الآخر فقد خلا التصريح من أي إشارة إلى حقوق أكثر للمتقاعدين مثل توفير سكن أو بدل سكن أو طلب علاوة سنوية تضاف إلى معاش المتقاعد أسوة بعلاوة الموظف السنوية لمواجهة غلاء المعيشة. وفي الحقيقة ما ألوم المسئول بالهيئة لأنه في الأول والأخير موظف حكومي يسعى لإسعاد الحكومة بهدف تثبيت نفسه حتى لا يتحول كمن سبقه من إخوانه، إلى التقاعد القسري متناسياً أنه في مدة قصرت أو بعدت سيكون واحداً منهم. وفي الختام نقول أن من حق المتقاعد، الذي عمل جاهداً طيلة سنوات شبابه، أن يكرم وأن يعامل معاملة حسنة، فالكثير من المجتمعات المتقدمة تمنح كبار السن والمتقاعدين معاملة خاصة مثل التخفيض في أجور النقل، والتأمين على المنازل والحياة والممتلكات، وإنشاء جمعيات خاصة تعتني بهم وترشدهم في الأمور الاجتماعية والاقتصادية والحياتية، وتوفر من يقوم على رعايتهم وعلاجهم، وغيرها من الأمور التي تجعل الشباب يحسدون كبار السن والمتقاعدين. وفي هذا المقام فإنني أقترح إنشاء جمعية من جمعيات المجتمع المدني، بعيداً عن الهيئة، لتدرس حالات المتقاعدين، وتقوم بتقديم اقتراحاتها لمجلس الوزراء الموقر بهدف توفير حقوق أكثر للمتقاعدين، وأيضاً لتتابع حركة الأسعار وتعكسها في زيادة الرواتب. ونرى كذلك وجوب تخصيص مساكن لفقراء المتقاعدين الذين لا يملكون مساكن لأسرهم. ونذكر المسئولين بأن الدستور القطري يرى أن «المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة» (المادة 14) فلا يجوز تبعاً لذلك تقسيم المتقاعدين إلى عسكريين لهم من الحقوق ما تزيد على المتقاعدين المدنيين مع أن كليهما يؤدي خدمة للوطن. والله من وراء القصد.