14 سبتمبر 2025
تسجيلالعمل الطوعي في عالمنا العربي ما زال مفهومه مشوّشا يتسم بالمزاجية، ويفتقد إلى الجديّة المطلوبة، والضوابط المنظِمة، ولايملك عناصر الاستدامة.. لذا فإن كثيرا من المبادرات والمشاريع والكيانات تتوقف، أو تتكلّس أو تذبل أو تُختطَف. وتأسيسا على هذه المقدمة يمكن إيراد عدة ملاحظات حول العمل الطوعي والمبادرات الشبابية التطوعية : كثير من الشباب ينظر إلى العمل التطوعي كمساحة لملء الفراغ، أو تلبية متطلبات الانتقال من الثانوية للجامعة، أو النجاح في مساق دراسي معين، أو كنوع من " البرستيج" الذي يعزّز الظهور الإعلامي والنجومية، أو كداعم للسيرة الذاتية، وما بُني على خطأ سيقود إلى خطأ أكبر، ويلحق الضرر والتشويه بهذه المبادرات. كثير من المبادرات التطوعية الشبابية لا تصمد طويلا، لأسباب كثيرة منها أنها ترتبط بمجموعة من المؤسسين الذين يحملون همّها ويتابعونها لحين من الزمن، لكن ما أن تفرض عليهم الظروف الابتعاد عن ميادين هذه المبادرات كالتخرج من الجامعة والسفر لمناطق ودول أخرى حتى تنتهي تماما، ولو أنهم اشتغلوا على مأسستها وتوفير كوادر تحمل الراية من بعدهم لاختلف الوضع .العديد من المبادرات ينفرط عقدها بسبب " الفورة" التي ترتبط بظرف معين، أو بسبب الحماس نتيجة التأثر اللحظي ، مثل فكّ الحصار عن غزة في فترة من الفترات، ثم تختفي وكأن الحصار قد تم فكّه تماما، أو أن فك الحصار لا يحصل إلا بإدخال المساعدات والطواقم الطبية أو وصول سفن الناشطين، دون التفكير بسبل أخرى ، إن حالت ظروف دون عبور الشاحنات أو وصول القوارب. ومن أسباب عدم الاستدامة الاختلاف بين المؤسسين والتناحر على مستوى قيادة دفة العمل، وتغوّل أطراف فيها على حساب أطراف بها ، وظهور التكتلات و" الكولسات"، وذلك لغياب اللوائح والقواعد المنظِّمة لسير العمل، والتداول على إدارة المبادرة ، وهو جزء من أمراض الشخصية العربية وطبيعة إدارة مؤسساتها ونظم القيادة وعدم وجود مأسسة فيها ..وغالبا ما ينتهي الأمر بموت المبادرة أو تشظيها أو ضعف مخرجاتها. ومن أسباب ذلك الفهم الخاطئ بأنّ العمل التطوعي يجب أن يتمّ كاملا بدون مقابل ، من ألفه ليائه، بما في ذلك تسخير وقتك وسيارتك ومعداتك المتاحة لديك وخبراتك ومكتبك وغير ذلك، فيما الحقيقة أن التطوع قد يكون ببعض ذلك وليس كلّه، كما أنه يكون بقدر الاستطاعة كالتطوع بالخبرة أو الجهد فقط، كما يمكن أن ينال الشخص مقابله أجرا، وإن كان مخفّضا عما يُعطى في مواقع أخرى ، أو عما يتقضاه صاحبه في مكان آخر ( مؤسسة تجارية أو حكومية مثلا).وقد يكون من ضمن الأسباب أيضا عدم وجود فكرة إبداعية خلف هذه المبادرة، وضعف جاذبيتها، وهو ما يؤدي إلى عدم استقطاب متطوّعين في إطارها أو مناصرين لها، وهو مايؤدي إلى اضمحلالها أو موتها بشكل تلقائي. ويندرج ضمن هذه الأسباب عدم توفر الرعاية أو الدعم لهذه المبادرات أو ندرة ذلك، سواء من المؤسسات والشركات التجاريّة الخاصة في إطار المسؤولية الاجتماعية، أو من الجهات الحكومية ذات العلاقة، أو من المؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني الأخرى. ولأنّ هذه المبادرات ذات قيمة مهمّة في تكتيل الشباب ومحبّي العمل الطوعي وخدمة المجتمعات التي تنشط فيها.. فإنها مكسب حقيقيّ لدعم جهود التنمية والاستفادة من الطاقات الفتيّة ، لذا فإن موت هذه المبادرات أو تكلسها خسارة للدول والأمم والتجمعات. وأرى أنّ على الحكومات والجهات المحلية والمؤسسات الشبابية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الإنسانية واجب الدفع بتشجيع قيام هذه المبادرات، وتقديم برامج الرعاية والدعم لها، ويمكن أن يتم ذلك إضافة للدعم المادي بتوفير التدريب النظري والعملي وتقديم الاستشارات الفنية وبعض المعدات اللازمة للعمل، وإدماج هذه الطاقات في بعض برامج ومشاريع هذه المؤسسات ولو فترات محددة، أو إشراكهم في الأعمال الميدانية، وتشجيع المتميزين من العاملين في هذه المبادرات بالتوظيف في المؤسسات الحكومية والإنسانية حال الاحتياج .