10 سبتمبر 2025
تسجيلأدت زيادة المعروض من النفط الصخري الأمريكي، في ذات الوقت الذي انخفضت فيه معدلات النمو الاقتصادي في العديد من دول الأسواق الناشئة وفي مقدمتها الصين "ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم"، ومن ثم انخفاض الطلب العالمي على النفط وما ترتب على ذلك من انخفاض أسعاره العالمية، أدت إلى أن يصل برميل خام برنت إلى أقل من 40 دولارا وانخفاض برميل النفط الصخري الأمريكي إلى أقل من 35 دولارا، مما فرض على الكثير من الدول كثيفة إنتاج وتصدير النفط إلى العمل على زيادة إنتاجها وإيراداتها ومحاولة خلق أسواق جديدة، وفي المقدمة منها المملكة العربية السعودية التي بدأت في توريد شحنات نفط بأسعار منخفضة إلى دول شرق أوروبا التي طالما كانت من الأسواق التقليدية للنفط الروسي، وهو الأمر الذي يرى فيه الخبراء والمتخصصين تهديدا بإمكانية حدوث المزيد من خفض أسعار النفط خلال الفترة المقبلة.ولقد عملت الدول المصدرة للنفط في أعقاب انخفاض أسعاره بأكثر من 60% خلال الاثني عشر شهراً الماضية على بذل جهود حثيثة للحفاظ على حصصها السوقية ولجوء الدول الغنية منها إلى سلاح خفض أسعار النفط بهدف النفاذ إلى أسواق جديدة في محاولة منها لإعادة تقسيم الأسواق، لنجد أن دولة كالمملكة العربية السعودية قد اعتمدت إستراتيجية جديدة تقوم على الحصول على جزء من سوق النفط الأوروبي الذي كانت بعيدة عنه في الآونة الأخيرة، وكان ذلك على حساب روسيا التي كانت شبه محتكرة لهذا السوق.. مما اضطر وزير الطاقة الروسي "ألكسندر نوفاك" إلى القول بأن دخول النفط السعودي إلى أسواق شرق أوروبا والتي كانت تهيمن عليها روسيا يمثل المنافسة الأصعب لبلاده، ووصف هذه الخطوة بأنها أصعب من العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا والتي تسري فقط على معدات قطاع الطاقة ولكنها لا تسري على إمدادات النفط والغاز.ولتأكيد الموقف السعودي فقد أعلن بعض مسؤوليها عن دراسة المملكة حالياً لتخزين النفط في ميناء جدانسك البولندي كي تستطيع تلبية احتياجات عملائها الجدد في شرق أوروبا من النفط بسرعة أكبر، وهو الأمر الذي سبق وأن فعلته في فترة سابقة لتزويد عملائها بغرب أوروبا من النفط المخزن بموانئ هولندا وبلجيكا، كما تأمل السلطات السعودية في إمكانية إرسال نفطها المخزن في بولندا إلى ألمانيا المجاورة والتي كانت لمدى زمني طويل تعد من أهم أسواق النفط الروسية التقليدية في أوروبا الغربية.. وفي ذات السياق فقد أعلنت شركة بريم السويدية لتكرير النفط عن شرائها لأول شحنة من الخام السعودي منذ أكثر من عشرين عاماً وهي الشركة التي طالما اعتمدت في تغطية احتياجاتها على إمدادات النفط الروسي.وما زاد الأمر تأكيداً هو إعلان شركات المضاربة وشركات تكرير النفط الأوروبية توريد النفط السعودي إليها بخصومات كبيرة مما جعله أكثر جاذبية بالنسبة لهم من النفط الروسي، وهو ما شجع شركات النفط العالمية الكبرى مثل اكسون موبيل وشل وتوتال وإيني على شراء كميات كبيرة من النفط السعودي لمصافيها في غرب وجنوب أوروبا، بديلا عن النفط الروسي الذي أصبح بالمقارنة غالى الثمن.. وإزاء هذا الغزو السعودي لأسواق النفط الروسية التقليدية في أوروبا فقد طالب رؤساء شركات النفط الروسية حكومة بلادهم بضرورة تعديل إستراتيجيتها المرتبطة بالنفط من أجل ضمان حماية مصالحها ومصالحهم في الأسواق الأوروبية خاصة الشرقية منها.وفي ظل توقع وكالة الطاقة الدولية باستمرار حالة تخمة الإمدادات النفطية بالأسواق العالمية حتى عام 2016 ومن ثم استمرار انخفاض أسعار النفط، فقد أرسلت الحكومة الروسية أوائل هذا الشهر وفداً رفيع المستوى من وزارة الطاقة إلى مقر منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بفينا "وهي ليست عضواً بها" للاجتماع بمسؤولي المنظمة في محاولة منهم لمنع تفاقم الحرب السعرية وإيقاف نزيف الخسائر، وإن كانت التخفيضات الضخمة التي تجريها بعض دول منظمة أوبك وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية في الأسواق الأوروبية وغيرها من الأسواق قد عٌقدت وزادت من صعوبة المباحثات والحوار الروسي مع مسؤولي المنظمة.وفي يقيني فإن الدول المنتجة والمصدرة للنفط لن تتفق "في المدى القصير" على إجراء أي تخفيضات في إنتاجها لأن همها الأكبر هو محاولة الحفاظ على حصتها في الأسواق، وأعتقد أن هناك الكثير من المتخصصين يتفقون معي في هذا الرأي، وفيما يعتقد الكثيرون بأن الصراع السعودي الروسي بشأن النفط وأسعاره ما هو إلا صراع اقتصادي وتجاري للهيمنة على المزيد من العملاء والأسواق لزيادة الإيرادات في ظل العجز الذي أصاب ميزانية كلا الدولتين مؤخراً، فإن البعض الآخر يرون فيه نوعاً من العقاب والضغوط السعودية على روسيا على موقفها الداعم للنظام السوري واستهدافها لمواقع المعارضة السورية المعتدلة، "من وجهة النظر السعودية والخليجية".