11 سبتمبر 2025
تسجيلها نحن نقف على باب عام جديد، ندعو الله أن يكون عام خير وبركة وسلام على أمتنا العربية التي أثخنت جراحها، وسالت الدماء من كل فج فيها، وتشتت قواها السياسية وتشعبت رؤاها الدينية حتى ضربتها الطائفية في مقتل استقرارها، فسجلت أكبر نسبة في أعداد الضحايا والموتى والمشردين واللاجئين في العالم خلال النصف الأول من هذا العقد، فماذا كانت التوقعات التي بنى عليها قادة الدول والجيوش وأهل الحكم والسياسة وطباخو السمّ الذين وزعوه على المواطنين البسطاء في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن، فأسقوهم كؤوس الدماء مترعة بالويلات والكراهية والجرائم الإنسانية، دون رادع ولا وازع ولا قصاص للمجرمين.في نظرة سريعة على أهم الأحداث التي وقعت في بلادنا العربية خلال العام الذي مضى ثقيلا، سنجد أن سوريا تحولت إلى جهنم تلاقت فيها شياطين العالم المتطرف، الكل يقتل والكل يموت والكل يعاني والكل يدعي وصلا بليلى، وليلى السورية تخاطفها كل من حدثت له نفسه بارتكاب الرذائل الإنسانية، وهل هناك أرذل من قتل الأبرياء وقتل الشعب المسالم وتشريدهم، وهل هناك أتعس من رؤية أهل الغلو والتطرف والقتل بناء على الهوية والطائفة واللهجة، فسوريا الدولة لم تعد دولة، لقد دمرت سوريا التي نعرفها وأصبحت أودية للذئاب وعصائب الطائفية التي جاءت لتخلص النظام من مصيره المحتوم ولو بعد حين، سوريا المستباحة لم تعد فيها دولة حقيقية ولا نظام سياسي متكامل ولا جيش عربي مقدام على العدو كما كنا نسمع فيما مضى من السنين، فقد صعد نجم جديد وهو نجم "داعش" الذي احتل الجزء الأكبر من البادية السورية والشطر الغربي من جزيرة الفرات، وبامتداده الشرقي إلى الأراضي العراقية وجد بيئة صالحة جدا لنهوضه السريع، فأهل السنة هناك ألهبتهم سياط حكومة بغداد الطائفية الحاقدة التي قادها أسوأ رجل قد يأتي إلى الحكم ، فقد تغلب على الشيطان في منهجيته السياسية والطافية النتنة وتصفيته الممنهجة ضد مكونات العرب السنة خلال ثماني سنوات من حكمه، ودون أن يرفع أحد من العرب صوته ضده، أو يؤشر بأصبعه عليه، و"دولة داعش" كانت نتيجة لتلك السياسة التي اتبعها نظام حكم بغداد الخضراء.اليوم تدعي الحكومة الجديدة في بغداد أنها أعادت المناطق السنية التي سيطر عليها تنظيم داعش إلى طاعتها، وهذا محض كذب، فهي أي القوات المسلحة الحكومية ومعها ما يسمى قوات الحشد الشعبي لمحاربة داعش، تقتل وترتكب جرائم أفظع مما ترتكبه داعش أو أي عصابة إجرامية في العالم، فالأخبار من العراق تتحدث عن جرائم اغتصاب جماعي لنساء سنيات وقتل أبرياء لأبناء قرى سيطر عليها التنظيم سابقا، وحرق لبيوت المسالمين، وما يسمى بقوات الحشد ما هي إلا مليشيات المالكي وأعوانه التي كانت مسجلة على حساب الجيش وتقبض أموالها من دم العراقيين، تدعمها عصائب أهل إيران، ويقودهم قادة جيش طهران.إن مقتل الجنرال في الجيش الإيراني حميد تقوي على يد قناص من التنظيم حسبما أعلنه التنظيم أمس، والعديد من ضباط الحرس الجمهوري في أوقات سابقة في مدينة سامراء شمال بغداد، يثبت أن إيران لا تزال تدعم التطرف وعمليات القتل والثأر من نظام صدام حسين الذي حاربهم ثماني سنوات، وهم موجودون في سوريا يقاتلون إلى جانب جيش النظام وحزب الله الشيعي، وهم، أي الإيرانيين، هم من دعم جماعة أبو علاء التلعفري التركماني القائد المتطرف جدا من تنظيم القاعدة الذي ما زال يقود عمليات قطع الرؤوس والتكفير وإرهاب السكان في المناطق السنية.لذلك نرى أن الدم الذي تسيل أنهاره في سهول وأودية العرب في سوريا والعراق تتحمل إيران مسؤوليته أولا، لأنها تدعم أنظمة فاسدة وحاقدة في العراق وسوريا، وتمدهم بالمال والسلاح والمقاتلين والمستشارين، من أجل السيطرة الجيوسياسية على فكي الكماشة التي تستطبق على الخليج العربي إذا بقي الحال كما هو عليه، خصوصا بعد سيطرة مليشياتها الحوثية في اليمن وانهيار الدولة هناك حتى اليوم.أما المتهم الثاني فهي الدول العربية التي سمحت لإيران بأن تتمدد على حساب خلافتنا وحساباتنا الفاشلة، ولم تستطع أي دولة عربية أن تطلب من إيران كف يدها. إذا ما الذي ينتظره العرب وهم يرون كرة النار تتدحرج نحوهم وتكبر أكثر وأكثر، تغذيها مشاعر الكراهية والطائفية ومشاهد الدماء والقتل الذي سيعتاد عليه جيل جديد من أطفالنا وشبابنا، ولن يستطيع أي مرب ولا قانون أن يردعهم عن الذهاب إلى أودية الذئاب، فالأرض واسعة والحدود مفتوحة بين الجميع والحكومات مشغولة بخلافاتها التي يتوهج جمرها تحت رماد الدبلوماسية والمجاملات السياسية، بينما التنمية البشرية ودعم سياسات النهوض بالنشء والشباب وتوفير البيئة السياسية والديمقراطية لهم، فهي آخر حسابات الحكومات التي تدعيها، بينما ستصبح إيران دولة نووية، وستأخذ عقد إدارة الشرق الأوسط غصبا وقسرا إذا بقي العرب على منهجهم هذا.