20 سبتمبر 2025
تسجيلبون شاسع يمتد بين الرغبة والواقع فيما يتعلق بموضوع المصالحة، فإسقاط الرغبة على الفعل هي مسألة واردة في الكثير من القضايا وحتى الظواهر، فلا يخفى على أحد مدى الضرر الذي أصاب قضيتنا ومشروعها الوطني جرّاء الانقسام، الأمر الذي أدّى إلى ضغوطات شعبية وعربية ودولية صديقة على الطرفين المعنيين مباشرة بالانقسام وهما: حركتا فتح وحماس، من أجل تجاوز الانقسام، والوصول إلى المصالحة، والعودة بالوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها. من ناحية ثانية فإن الحركتين باتتا تشعران بحرج كبير أمام كل تلك الأطراف الضاغطة، وهو ما حدا بهما إلى عقد اجتماعات عديدة متتالية على أكثر من مستوى، وتشكيل لجان فرعية متخصصة، لبحث الكثير من القضايا. في اجتماع القاهرة الأخير بين عباس ومشعل وبحضور كافة الفصائل تم الاتفاق على الكثير من القضايا: بالنسبة لموضوع المنظمة والاتفاق على دخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي والمبادرة الوطنية إلى إطاراتها، وما يعنيه ذلك من تفعيل للمنظمة، وتم تشكيل لجان(بمشاركة كافة الفصائل) للانتخابات، وللمصالحة المجتمعية، قضايا الحريات العامة وبناء الثقة. وبالنسبة للحكومة تم الاتفاق على تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية من ذوي الاختصاصات (حكومة تكنوقراط) في فترة زمنية لا تتجاوز الشهر. والاتفاق على دعوة المجلس التشريعي للانعقاد في الأسبوع الأول من فبراير القادم، لإقرار القضايا المتفق عليها بين كافة الأطراف. مما لا شك فيه أن ما جرى الاتفاق عليه يمّثل قضايا مهمة، تجعل من شعبنا وأصدقائه على مستوى من التفاؤل بقرب تحقيق المصالحة، ولكن من الناحية الأخرى، جرى في اجتماعات سابقة للحركتين (بحضور وعدم حضور الفصائل لبعضها) الاتفاق على قضايا أخرى شبيهة، وقضايا مختلفة أخرى أيضاً، بما في ذلك الإسراع في إخراج المعتقلين (على سبيل المثال وليس الحصر)، ولم يتم ذلك حتى اللحظة، وكانت قضايا اللجان المشكّلة تذهب في الأدراج ويتم أرشفتها كشيء جرى، ليس إلاّ! أول الغيث قطرة، فها هي حركة حماس تتهم السلطة: بممارسة التعذيب الوحشي لعناصرها في أجهزتها. من ناحيتها، فإن حركة فتح أصدرت بيانا دعت فيه أجهزة حماس إلى التوقف عن سياسة الاستدعاءات التي تمارسها، فهي تتنافى مع إجراءات المصالحة. ثم وبالمعنى العملي والفعلي، فإن حضور الفصائل لاجتماعات الحركتين لا يشكّل في عرفي التنظيمين أكثر من(ديكور) أو(شاهد زور) في أقسى الحالات، هذا بغض النظر عن جدّية الخلفيات لهذه الفصائل، والتي تحاول جاهدة مساعدة الطرفين على تجاوز دائرة الانقسام والوصول إلى المصالحة. لقد سبق للفصائل الفلسطينية (وبحضور حماس وفتح) أن وصلت إلى اتفاق في ورقة أُطلق عليها مصطلح "ورقة اتفاق القاهرة"، التي أسست فعلياً لإمكانية الخروج من حالة الانقسام. قد يقول قائل: ولكن المواضيع التي جرى بحثها والاتفاق عليها في اجتماع ديسمبر الأخير، هي جزء من تلك الورقة/الاتفاق، وفي الرد نقول: لو أن الحركتين تريدان فعلاً الخروج من الانقسام لتم بحث والاتفاق على القضايا التالية: أولاً: إجراء مراجعة نقدية شاملة، بمشاركة كافة الفصائل الوطنية الفلسطينية للمرحلة السابقة. منذ توقيع اتفاقيات أوسلو وحتى هذه اللحظة، فمفاوضات عشرين عاماً لم تُنتج سوى المزيد من إيغال العدو الصهيوني في الاستيطان، وتهويد الأرض، وارتكاب العدوان والمجازر، وهدم البيوت، والاعتقال، والاغتيال، والمزيد من الإصرار على التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية، والإبقاء على السلطة: كحكم ذاتي مهمته الأساسية: تسيير الشؤون الحياتية للفلسطينيين. والتنسيق الأمني مع إسرائيل، بهدف أن يكون هذا التنسيق مدخلاً لتكون السلطة: حامياً للاحتلال، ووسيلة لممارسة فعل الاحتلال من خلالها. دون إجراء هذه المراجعة الشاملة فإن أية خطوات يجري الاتفاق عليها بين حركتي فتح وحماس، تظل منقوصة. ثانياً: الاتفاق على برنامج سياسي للمرحلة المقبلة، يحدد ما هو المطلوب بدقة خلال المرحلة الراهنة، ويعيد التأكيد على إستراتيجية النضال الوطني الفلسطيني، شريطة أن تكون الحركة التكتيكية السياسية الفلسطينية منطلقة من خدمة الهدف الإستراتيجي. وليست بديلاً له. مثلما يجري التطبيق حالياً.لا شك أن اختلافاً سياسياً كبيراً يقوم بين الفهم الاستراتيجي للنضال الفلسطيني لكل منهما، كذلك الاختلاف في الحركة السياسية كالموقف من المفاوضات مثلاً، الموقف من المقاومة (بغض النظر عن حالة التهدئة المتوصل إليها في غزة) وغيرها وغيرها. جملة القول: إن ما جرى في القاهرة مؤخراً هو خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكنه أقرب إلى إدارة الانقسام منه إلى مصالحة حقيقية فعلية فحتى تتحقق المصالحة واقعاً على الأرض، يتوجب إجراء الكثير من الخطوات، تلك التي لم يتم التطرق إليها في مباحثات القاهرة.