20 سبتمبر 2025
تسجيلتفاقم الوضع في البلقان أخيراً مما ينذر بمواجهات عسكرية وسياسية وصراعات علنية ومستترة بين القوى الداخلية والإقليمية والدولية، مما يُعيد إلى الأذهان ظروفا دولية معقدة شهدتها المنطقة في التسعينيات، وما أسفر حينها عن صراعات دينية وعرقية دفعت إلى تدخل النيتو ووقف مذابح البوسنة والهرسك لكن بعد مجازر ومذابح واسعة النطاق على أيدي الصرب وداعميهم الروس. بدأت قصة التوتر علنياً في البلقان في شباط/فبراير الماضي حين فاز الحزب القومي الكوسوفي في الانتخابات العامة بقيادة القومي ألبين كورتي الذي يقود رئاسة الوزراء حالياً، ورحب على الفور بإجراء استفتاء ديمقراطي للوحدة مع ألبانيا، لكنه بالمقابل لم يجعلها أولوية من أولويات حكمه، وهو الذي يدرك أن تعقيدات المشهد المنطقوي ليس في صالح مشروعه، فمجرد الحديث عن الأمر قد أثار حفيظة وغضب واستعداد وتهيؤ الصرب للقادم. وكانت كوسوفو قد أعلنت الاستقلال عن صربيا في عام 2008 باعتراف أمريكي وألماني وبريطاني وهو ما عارضته صربيا ومعها بالتأكيد حليفتاها روسيا والصين، فالصرب ينظرون إلى كوسوفو كمهد لأجدادهم وديانتهم، ولم تفلح طوال تلك المرحلة جهود الاتحاد الأوروبي في الاستجابة لإصرار الصرب في منح منطقة شمالية ذات أغلبية صربية بالاستقلال حيث يصرون ومعهم الروس على اقتطاعها من إقليم كوسوفو. سكان ألبانيا التي تستعد للانضمام للاتحاد الأوروبي ولديها علاقات قوية معه حتى الآن، لكنها لم تدخله بعد، تحظى بعلاقات دينية وثقافية وروابط قوية مع كوسوفو، وباعتبارها دولة معترفا بها دولياً، فهي قادرة على حل مشكلة اعتراف العالم بكوسوفو إن اتحدت معها، مما يجعل فرصها بالانضمام للاتحاد الأوروبي مع ألبانيا أفضل، وهي التي تنتظر دورها لتكون عضواً بالاتحاد. في عام 2015 بدأ قادة ألبانيا يرفعون أصواتهم بالوحدة مع كوسوفو، بل ويرونها حتمية ويدعون لمجلس رئاسي مشترك، وفي استطلاع للرأي أجري عام 2019 تبين أن 75% من الألبان يؤيدون الوحدة، بينما 64% يؤيدها في كوسوفو، وثمة ممانعة دولية، وصعوبات اقتصادية في عملية الاندماج التي تحتاج لمليارات الدولارات، لاسيما مع إعادة تشكيل حدود أبعد من المنطقتين. مثل هذا الواقع قد يدفع للمطالبة بألبانيا الكبرى، وهو ما سيُزعزع وضع مقدونيا، لمطالبة الألبان في داخلها بالانضمام إلى ألبانيا الكبرى، وسيُزعزع بالتالي الوضع في كل من البوسنة ومونتينيغرو، حيث سيطالب صرب البوسنة بالانضمام إلى صربيا الكبرى وعاصمتها بلغراد، وحينها بالتأكيد سيعارض ذلك حليفا الصرب روسيا والصين مما يجعل الاعتراف الدولي أزمة دولية، وغير ممكنة التحقيق في ظل الاستقطاب الدولي تجاه القضية. واشنطن التي تعترف بألبانيا كعضو في النيتو ستتردد كثيراً في الدخول بخطة تفضي إلى زعزعة غرب البلقان وهي التي خرجت من حرب كلفتها الكثير في أفغانستان مالياً وبشرياً، وفوق هذا سُمعة وعلاقات دولية، فهي على الأقل في حالة تسعى للتعافي مما أصابها طوال العقدين الماضيين، أما الاتحاد الأوروبي، فلن يُشجع ذلك، وهو المفكك في داخله الآن، بل والمتناقض في جوهره بسبب تباين واختلاف دوله في كثير من القضايا الدولية والحساسة التي تمسه بشكل مباشر. في ظل هذه الأجواء المنطقوية والدولية، تبقى الحرب صامتة وقوية وبعيدة عن الأضواء بين صربيا وكوسوفو، بفرض الضرائب على لوحات سيارات بعضهما البعض الداخلة لمناطق الطرفين، مما تسبب في أزمة حقيقية قد تتطور إلى أزمة أمنية على الحدود مع نشر كل طرف لقواته على حدوده للتعاطي مع أزمة الشجارات والخلافات التي تدب بين الطرفين وبين السائقين، الأمر الذي قد يتطور إن لم يتم معالجته سريعاً، وبشكل حاسم لأزمة تستقطب حلفاء دوليين لكل طرف من الطرفين المتصارعين.