18 سبتمبر 2025
تسجيليُعرف التاريخ باختصار بأنه الفرع الذي يدرس السجل الزمني للأحداث التي أثرت على أمة أو شعب، أو أنه دراسة الماضي البشري كما هو موضح في الوثائق المكتوبة التي خلّفها البشر، الآن التاريخ في المجتمعات المعاصرة تجده في أرشيف الدولة أو في متاحفها كما هو أو كما وقع بالفعل، حيث اختزلت الدولة التاريخ واختزل الشعب الأحداث وحولها إلى مخزون نفسي لكل أفراده. لكن في مجتمعاتنا التقليدية ومنها مجتمعنا الصغير لا يزال الصراع محتدماً على التاريخ وفي كل فترة يتموضع التاريخ المنقضي تموضعاً جديداً؛ لأن الدولة جاءت بعد التاريخ أو لم تكن تمظهراً حقيقياً له بالشكل الطبيعي، أصبح هناك إمكانية مفتوحة ومستمرة للاستثمار فيه ومحاولة إعادة قراءته وكتابته كما نرى ونسمع، سواء من طباعة الكتب أو ما تحمله وسائل الاتصال الاجتماعي من معاكسات وربما من زيادة واقحام سواء لوقائع أو لأسماء في محاولات لحيازة التاريخ دون الآخر، طالما يعتبر مرجعاً قوياً ووحيداً للوجود الاجتماعي. ولي هنا بعض الملاحظات أود لو أذكرها: أولاً: الدولة مقبلة على انتخابات نيابية وهي مرحلة تحتم الانتقال من التاريخ الأصغر أو الصغير إلى التاريخ الأكبر أو الكبير، حيث هذا المجلس المنتخب القادم يمثل المجتمع القطري ولا يمثل أفراده وانتماءاتهم القبلية أو العائلية أو الطائفية. ثانياً: إشكاليتنا مع التاريخ ليس فقط في هشاشة بناء الدولة في منطقتنا فقط، ولكن أيضاً لأننا حولناه إلى موضوع خارج الذات، وطالما هو كذلك، فالذات دائماً وباستمرار تحاول اصطياده وحيازته سواء كانت ذاتاً فردية أو طائفية أو قبلية، من طبيعة الذات حيازة موضوعها. ثالثاً: التاريخ بعد أحداثة يتحول إلى مخزون نفسي في شعور المجتمع، ليس هناك مجتمع يستطيع الاستمرار دون هذا المخزون النفسي الذي يسمى تاريخ "تاريخ الحروب والمعارك سواء معارك بشرية أو حتى مع الطبيعة". اليوم الشعب الهولندي يفتخر بما أنجزه تاريخياً في معركته مع البحر هذه الأرض التي تحت مستوى البحر والتي كان البحر يغمرها تماماً، أصبحت أعظم دولة في بناء السدود في العالم. لذلك يصبح الخروج من ثنائية الذات والموضوع أمراً ملحاً، واعتبار التاريخ مخزوناً نفسياً مشتركاً لجميع أفراد المجتمع أو الشعب. رابعاً: الآن ما علاقة الحاضر بالتاريخ كماضٍ، هنا تأتي مرحلة مهمة جداً وهي مرحلة التأسيس الإيجابي، وهي إضفاء ما يفرضه الحاضر والواقع على هذا التاريخ أو المخزون النفسي، بحيث يصبح عاملاً يدفع للتطور والوحدة والاندماج لجميع أطراف المجتمع بطوائفه وبتكتلاته وبكل أطيافه الاجتماعية، بمعنى أن يُسقط الحاضر على التاريخ ما يود أن يحوله إلى طاقة فعالة تدفع إلى بناء مستقبل عظيم للدولة، ماذا يفرض الحاضر مثلاً، سيادة القانون، الاحترام المتبادل، سيادة الدستور. خامساً: أخي الناخب أنت مدعو للتعرف على ماهية التاريخ التي هي أحداثه بعد أن أصبحت مخزوناً نفسياً لجميع أفراد المجتمع ومن خلال التأسيس الإيجابي الذي يسبغه الحاضر عليه، حينها ستجد نفسك في وضع أمثل ترشحاً وانتخاباً، وستجد نفسك أنت في خضم هذا التاريخ رغم صغرك ورغم عدم مشاركتك في أحداثه؛ لكنك تعيشه مخزوناً نفسياً؛ بل وتصنع فوق تراكمات ذلك تاريخاً حاضراً سواء بإنجازك في مجالك، أو حتى في حسن اختيارك لمن تنتخب أو من تزكي للترشح. [email protected]