11 سبتمبر 2025

تسجيل

أفعى في صحراء مصر

30 نوفمبر 2017

يمر أسبوع على مذبحة مسجد الروضة في بئر العبد بشمال سيناء المصرية، وحتى اليوم ما زالت السلطات المصرية حائرة كعادتها في كيفية معالجة القضية، فالمصيبة كبيرة وقلبت كل موازين الإستراتيجيات الإرهابية المعتادة التي وقعت على الأراضي المصرية، حيث الهدف كان لمسجد يؤمه المصلون المسلمون وليس معابد مسيحية أو ثكنات عسكرية كما هو في السابق، ولهذا صب الرأي العام المصري والناشطون السياسيون غضبهم على الإدارة السياسية والعسكرية هناك. الواضح من الخطاب الرسمي المصري منذ كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي التي هدد فيها بحرب وصفها خطأ بالغاشمة، ويبدو أن السبب عدم ضلوعه باللغة الفصحى، يبدو أنها استمرار لذات الطريقة القديمة التي تعتمد على التهديد والوعيد للجماعات الإرهابية دون تحديد هويتها أو مكانها أو كيفية التخلص منها أو التخليص عليها، ولهذا تبقى العقلية العسكرية تحكم المنطق الرسمي المصري دون التفكير بحلول موازية لمعالجة مشاكل تلك المنطقة الصحراوية الشاسعة، كما هو الحال في كل المشاكل التي عصفت بمصر منذ الإطاحة بحكم مبارك.   المؤشر المبدئي وغير الواضح وحسب ما تابعنا في كل مناطق الصراع في العراق وسوريا، فإن تنظيم داعش أو ما يسمى أيضاً بالجماعات الإرهابية أصبحت ذريعة لتطهير أي منطقة يخشى منها، وإلى تلك المناطق تتوجه القوة العسكرية والطائرات الحربية التي تقصف، ثم لا شيء يحدث سوى المزيد من القتلى الأبرياء والدمار الهائل في البنى التحتية والمراكز الحيوية للمواطنين، وهذا يخل بموازين النظام الاجتماعي الذي يجب أن يفصل ما بين المجتمع المدني والجيوش الحربية، فلا يعقل أن تطلب من مواطن مشغول بلقمة الخبز أن يقوم بعمل الجيش ليواجه الإرهابيين كما يصفونهم. لهذا يخشى أن تتحول سيناء إلى ساحة حرب جديدة يتم استهدافها من قبل الجيش المصري ومن الممكن أن يستعين بقوات التحالف الدولي ضد داعش للتدخل في حرب جديدة بعد العراق وسوريا وليبيا لمطاردة الإرهابيين والجماعات المتطرفة حسب المفاهيم السياسية والعسكرية الجديدة، دون أي خطط واضحة أو مدد زمنية لها بداية ونهاية محددة، وهذا ما يعطي العمليات العسكرية عمراً مديداً لتبقى مسيطرة على مناطق كان الأولى العمل على تنميتها بشرياً واقتصادياً، لتكون بيئة طاردة للمتشددين والمطاريد الذين هربوا من ساحات القتال حول الشرق الأوسط. يبدو أن عملية مسجد الروضة قد أعطت الرئيس السيسي الفرصة لإعادة إنتاج خططه واستراتيجيته التي لم تغير في الواقع شيئاً، وذلك لدعمه لمرحلة رئاسية ثانية لن ينافسه عليها أحد، ولكن المحزن أن الثمن هو أرواح الأبرياء ولقمة عيشهم، وهذا لم يكن بحسبان الجماهير التي خرجت طيلة سنوات خلت لتندد بالرئيس المخلوع حسني مبارك، فمصر لم تعد مصر زمان، والجميع يغني: إرجع يا زمان. إذا أرادت مصر الخروج من النفق الضيق الذي تعيشه فعليها أن تتأمل بتاريخها وتقرأه جيداً وتفهم إنها زاوية العالم العربي الكبيرة، وشعبها الطيب هم عمالقة يتغلبون على المستحيل، ولهذا يجب الفصل ما بين السياسة والعسكرية، فباستثناء الرئيس محمد مرسي الذي تم الانقلاب عليه، فإن جميع الرؤساء منذ ثورة 23 يوليو هم من العسكر، وللذكرى فإن اللواء محمد نجيب، الذي كان أول رئيس مؤقت بعد الثورة ضد الملك فاروق، كان قائد منطقة العريش 1952 حيث تحركت قواته من هناك لمحاصرة قصر عابدين والقبة في 23 يوليو 1952، ومع هذا لا تزال العريش وسيناء ميداناً للجيوش التي تبحث عن أفعى تحت رمال الصحراء تسمى المخربين ولن تجدهم، ولذلك عليهم بتغيير النهج كاملاً واعتماد استراتيجية شاملة لجلب الاستقرار الشامل. [email protected]