13 سبتمبر 2025

تسجيل

موسيقى السلام

30 أكتوبر 2019

  الوجود الموسيقي القطري في الأمم المتحدة دلالةٌ واضحةٌ على مدى حُبِّ أهل قطر لجميع البشر بمناسبةِ احتفال الأمم المتحدة بيومها العالمي، يوم الخميس الماضي، والذكرى 74 لإنشاء الأمم المتحدة، استضافت بعثة دولة قطر في الأمم المتحدة احتفالية الجمعية العامة للمنظمة الدولية، حيث أحيت (أوركسترا قطر الفلهارمونية) حفلَ الأمم المتحدة. وشارك فنانون قطريون، لأوَل مرَّة، في هذا الحَدث المهمّ. وقد أشاد الأمينُ العام للأمم المتحدة ( انطونيو غوتيرش) بدعم دولة قطر للمنظمة الدولية، وإحيائها للاحتفال، مُنوِّهاً بمشاركة العازفين والعازفات من دولة قطر. وتُسجّلُ هذه المبادرة لبعثة قطر لدى الأمم المتحدة، ودورها في توظيف الفن، جنباً إلى جنب، مع الجهود الدبلوماسية، بما يخدم رسالةَ الأمم المتحدة في ترسيخ مبادئ السِلم والأمن الدولييْن. وقد تمَّ توقيعُ ميثاقِ الأمم المتحدة في 26 /6 /1945، في مدينة (سان فرانسيسكو) بالولايات المتحدة، وأصبح نافذاً في 24 /10 /1945. ونصَّت ديباجةُ الميثاق ( نحن شعوب الأمم المتحدة....) في إشارة لمّاحة لدور الشعوب في حفظ الأمن والسِلم الدولييْن، وتجنيبِ العالم ويلاتِ الحروب، وبما يُحققُ الكرامةَ للإنسان، ويحفظُ الحقوق َالأساسية له، ورفعُ الظلم عن الشعوب المقهورة. و دعَت الديباجةُ إلى السعي للرقيّ الاجتماعي، ورفع مستوى الحياة، في جوٍ من الحرية. ولقد حدَّد الفصل الأول من الميثاق مقاصدَ هيئة الأمم المتحدة ومبادئها، وأول هذه المبادئ: حفظ السلم والأمن الدولي. إنماء العلاقات الوديّة بين الأمم على أساس الاحترام والتسوية في الحقوق بين الشعوب. تحقيق التعاون الدولي على حلِّ المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم المتحدة، وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة. وجاء الإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان، الصادر في 10 /12 /1948، ليُشكل دستوراً لضمان الحياةِ الكريمةِ لجميع شعوب الأرض، حيث نصّت المادة الأولى منه على: " يُولدُ جميعُ الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يُعاملَ بعضُهم بعضَاً بروحِ الإخاء". ولقد سعت دولةُ قطر، منذ انضمامها إلى الأمم المتحدة عام 1971، إلى دعم جهود الأمم المتحدة ومساندتها لتحقيق أهدافها السامية. كما قدّمت دولة قطر الدعمَ لمشاريع الأمم المتحدة وبرامجها؛ حيث احتلت المرتبة الأولى عربياً، والسادسة عالمياً في قائمةِ أكبرِ المساهمين في الصناديق التابعة للأمم المتحدة. وكان آخرُ دعمٍ من دولة قطر للأمم المتحدة بقيمة 100 مليون دولار، لدعم الدول الجزرية النامية، للتعامل مع تحدِّيات البيئة ومخاطر تغيّر المناخ. ولقد أشاد موقعُ الأمم المتحدة باتفاقية الشراكة بين دولة قطر ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وتقديم دولة قطر مبلغ 75 مليون دولار لإعانة المكتب القيام بمهامه، لحصرِ التطرُّف والإرهاب. نعود إلى الموسيقى! نحن نعيشُ في عالم يمورُ بالأحداث والمنغِّصات، ويتحوَّطُ جهودَ السِلم الدولي، الكثيرُ من الشكوك ونوايا الدول " المُشاكسة"، في زعزعة هذا السلام، وتهديد البشر، عبر التلويح بالقوة أواستخدامها فعلياً ضد الشعوب الآمنة المستقِّرة، وقد يكون الوطنُ العربي من أكثر المناطق تَعرّضاً للعُنف والاحتلال، وفرضِ سياساتِ الأمر الواقع على شعوبه. وفي مناخ كهذا، يحتاج الإنسان إلى الموسيقى، التي تُهذّبُ الروحَ، وتُصفّي الذهنَ، وتساعدُ الإنسان على أن يكون إيجابياً، تفكيراً وسلوكاً. إن وجود (أوركسترا الفلهارمونية القطرية) مع الفنانين القطريين، الذي يتمُّ لأول مرة في ذاك المكان الدولي، أمرٌ يستحقُّ التقدير، وهذه يدٌ ناعمةٌ تستخدمها الدبلوماسية ُالقطرية، من أجل رفدِ الجهود الدبلوماسية الناجحة، التي تُساعدُ الأممَ المتحدة على تحقيق أهدافها. وهي رسالةٌ واضحةٌ لدور الموسيقى في بثِّ رسائلِ المحبَّةِ والسلام بين الشعوب. وهي في الوقت نفسه، صوتٌ ناعمٌ في وَجهِ الذين يُنغصّون حياةَ الآمنين، وتهديدهم بالعنف والاعتداء على حُرياتهم، وجعل مناطقهم عُرضةً للتوتر والانفجار. لقد شدا الفنان القطري فهد الكبيسي، والفنان منصور المهندي، وعائشة الزياني التي شدَت بالإنجليزية، وصمَّمت اللحن دانة الفردان، وصاحبت العزف على البيانو هالة العمادي،لأول مرة من على ذاك المنبر، بأصواتهم الشجية، وصاحَبهم عزفٌ من الفرقة التي شاركت فيها فنانات قطريات مؤهلات. وهذا محلُّ اعتزازنا وتقديرنا، وإيماننا أن الفنّ الرشيد الراقي، أداةٌ فاعلةٌ في جهود الأمم المتحدة ضدّ الرصاصة، والجوع، والفقر، والأميّة. إن التوجّه الثقافي لدولة قطر لا يقتصرُ فقط على الأغنية، بل يتجاوز ذلك إلى الفن التشكيلي، القصة، الرواية، المسرح، المؤتمرات الثقافية، وغيرها من الأدوات الفاعلة في المساهمة في حسْر مساحاتِ الظلام في هذا العالم، وإضاءةِ المزيد من الشموع، وهذا ما تؤمن به دولة قطر. لذا، فإن جهود وزارة الثقافة والرياضة، والمؤسسة العامة للحيِّ الثقافي (كتارا) ومؤسسات التعليم، والمراكز الشبابية، إضافةً إلى الإعلام القطري، بكافة أشكاله، إنما تَصبُّ في دعم الارتقاء بالذائقة الفنيّة والإنسانية، والحثِّ على فِعل الخير والحبِّ والتسامح. كما أن إتقان هذه المناشط، ودعمَها بالخبرات اللازمة، والاستماع إلى الرؤى المستنيرة في إقامة المشاريع الثقافية، يسمحُ بتعدُّدِ الأفكار، وتنوّعِ الاتجاهات، وهذا من شأنه أن يُثري التجارب، ويوحِّد الجهود من أجلِ إنتاج ثقافي أفضل. كُلُّ الفنانين والمبدعين مُطالَبون بإنتاج أفضل، وتقديمِ الجديد والمُبهر للجمهور، وهذا لا يتأتّي إلا عبر الدراسة والقراءة المُتعمقة في أيِّ تخصُّص! فالذي لا يقرأ لا يستطيع أن يكتب! وهذه حقيقة أثبتها كبارُ المبدعين. كما أننا مدعوون إلى الصدق في المثابرة، والإيمان العميق بدورنا – ككُتّاب وفنانين – وإخلاصنا للثقافة والفن، لأن هذا الإخلاص من أساسيات النجاح في مجال الإبداع. جميلٌ أن تُجهِضَ الدولُ صواريخَها وطائراتِها وقنابلَها، وتتفرغَ لخدمة شعوبها وتعزيزِ كرامتها، ومدِّ يدَ التسامح والمحبّة لجيرانها، وجعْل هذا الكون مكاناً أفضل لحياة البشر، بدلاً من إذكاء روحِ الكراهية والعنف، والمغامرة بمستقبل تلك الشعوب. إن الوجود الموسيقي القطري في الأمم المتحدة دلالةٌ واضحةٌ على مدى حُبِّ أهل قطر لجميع البشر، وعلى نجاح الدبلوماسية القطرية في تعزيز السلام والمحبّة، ودعم التسامح الإنساني، وإضاءةِ المزيد من الشموع، في عالم تسكنُ بعضَ جوانبه "خفافيشُ الظلام"!؟