19 سبتمبر 2025
تسجيلإذا تحول المدح الزائد»التطبيل» أو الذم غير المبرر إلى ثقافة وهما في الأساس موقف فأنت أمام مجتمع معوَّق لأنه حوَّل الموقف المتغير إلى ثقافة ثابتة،على كل حال، فإن طيف الحراك المجتمعي في دول الخليج يتحرك على خط أُفقى طرفه الأول الاحتجاج بدرجته القصوى المتمثلة في النزول إلى الشارع؛ ولكن الأعم في النقد في وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، إلى طرفه الآخر الأقصى المتمثل في المدح الزائد عن العادة أو التطبيل، ولي هنا بعض الملاحظات على فكرة الاحتجاج وغرض المديح: أولاً: النقد صوره من صور الرد التلقائي على أمر أحدث ألماً وضرراً لشخص ما أو لمجتمع معين وهو حق تكفله جميع الدساتير. ثانياً: التطبيل هو مدح تحول إلى» ثقافة»، وبالتالي إلى طبقة تسمى «المداحون أو المطبلون»، فأصبح مديحاً لا يرى سوى الحسن ولو كان الأمر سوءاً وشراً مستطيراً. حتى أن المرء ليُسيئ، ومع ذلك يمدح على إساءته كما يذكر الشاعر محمود البارودي (وأعظم شئ أن ترى المرء ظلما يُسيئ، ويتلى في المحافل حمده). ثالثاً: التطبيل كثقافة هو احتجاج سالب انقلب على صورته الجدلية المتمثلة في «فعل(احتجاج) فعل مركب يحمل في أحشائه حلا». إلى فعل(ناقص لعدم القدرة أو الخوف من الاحتجاج أو لانتهازية مفتعلة) أثمر تطبيلاً». رابعاً: المجتمع الديمقراطي يقوم على الاحتجاج السلمي ويستهجن التطبيل لأنه يضع العمل في إطار المسؤولية والمسؤولية في إطار القانون. خامساً: النقد البنَّاء دليل على حيوية المجتمع والتطبيل «الاحتجاج السالب» دليل على أنه مثير للشفقة. سادساً: تتأثر جميع أوجه الاحتجاج عندما يعجز المجتمع عن بلورته ذاتياً أو نتيجة الخوف وتعرضه للقمع؛ فيشيع الابتذال في الثقافة ويتحول النقد البناء نقداً شخصياً وربما مؤجوراً ويصبح الرأي خادماً للإملاءات وليس رأياً حراً. سابعاً: إذا شاعت ثقافة التطبيل أصبح المجتمع مسرحاً مهيئاً للمؤامرة والفرز بأشكالهما المتعددة لتعطل الصورة الجدلية التي تقود إلى التغيير بديناميكية وحيوية. وأصبح المطبلون هم رواد الثقافة فيه. ثامناً: الثبات كثقافة موجودة في تاريخنا العربي والإسلامي تستمد قوتها من فهومات وتفسيرات كثيرة منها الديني ومنها الاجتماعي؛ فلذلك يبدو الاحتجاج مقصداً لكثير من الفتاوى المستهجنة له كخروج عن الطاعة، واجتماعياً كمعصية للثقافة الأبوية. تاسعاً: قيام المجتمعات على مركزية الصوت كما يوصفها «دريدا» يساعد على تكون» الاحتجاج السالب» الذي ذكرت، مركزية الصوت تتطلب منبراً لا يحتله سوى فرد معين أياً كان شكل هذا المنبر دينياً أم اجتماعياً. عاشراً: يصبح المجتمع معرضاً للانفجار بصورة أعنف من غيرها عندما يختفي النقد الإيجابي والصحي ويشيع التطبيل بصورة ممقوتة؛ لأنه سقف مقفل ويتيح للانتهازيين التكسب من الريع والمزايدة على أصحاب الضمائر والمواقف، لذلك ربما يستدعي الأمر دراسة»حالة» لكل مطبل أو حتى لكل قادح بشكل يتعدى النقد الإيجابي أو البناء. حتى ينجو المجتمع من هذه الظاهرة المستهجنة. المطلوب من المجتمع الوعي بهذه الظاهرة ولا يشجع على اتساعها أو إظهار أصحابها بمظهر أكبر مما يستحقونه، فلا تصوت ولا تشجع ولا تتبع إلا من يقدم للمجتمع قيمة مضافة سواء في تغريد أو في مقالة أو رأي مسموع في وسائل الإعلام. [email protected]