13 سبتمبر 2025

تسجيل

الراحلون عنا . . الباقون فينا

30 أكتوبر 2018

عبدالعزيز جاسم أحيا المسرح القطري . . فشهدت وفاته متابعة شعبية وحزناً كبيراً بلال سعد تدرب في صمت، ولعب في صمت، ورحل في هدوء ووداع حزين للجميع الإرث الحضاري يصنع بتكريم رموز المجتمع، وحان وقت إرساء هذا النهج الحضاري لو عدت بالذاكرة إلى يوليو 2015، أجد نفسي لازلت أعاني من الحزن على رحيل أخي الحبيب وصديق الجميع المعلق والمذيع محمد اللنجاوي، الذي لازال حسه المرح يملأ كل مكان رياضي في هذا البلد، ولازال "بولنجه" حياً في ذاكرتنا الجميلة عن كل شيء جميل في ماضي الرياضة القطرية. ولو عدت بالذاكرة أيضا للعام الذي سبقه لتذكرنا الفنان هلال محمد الذي قدم الكثير للفن القطري، ورحل بشكل مفاجئ عن عالمنا، وبنفس المنوال نجد أنفسنا نمر على كثيرين، كان لهم تأثير نفسي أو فكري في الذاكرة الجمعية للشعب القطري، وكان لهم بصمة في مجالهم أو ساهموا في إرساء أسس العمل الذي قدموه من أجل قطر. ليس بعيداً عنا رحيل الفنان عبدالعزيز جاسم، الرجل الذي لا يعرف الكثيرون أنه لم يمارس التمثيل يوماً، لا على المسرح ولا في التلفزيون، فمن كان يظهر لهم على خشبة المسرح أو في شاشة التلفزيون هو عبدالعزيز جاسم، الذي لا يمثل بقدر ما يظهر على طبيعته، فقد كانت الموهبة طاغية على أدائه، ولم يكن بحاجة لتصنع شخصية أو إضفاء حركات أو كلمات ليكون الفنان عبدالعزيز جاسم، فكل ما كان قد قدمه هو موهبته وطبيعته التي حباه بها الله. رحل عبدالعزيز جاسم بعد أن خلف تاريخاً فنياً وإعلامياً كبيراً في قطر، ستتذكره الأجيال القادمة كثيراً، لأنه الأساس، ولأنه كان العمود الحقيقي الذي ستبني الأجيال عليه من بعده، رحل بعد أن ملأ المسرح صخباً، وملأ كراسي المسرح حضوراً، وملأ البلد حزناً على رحيله. وفي نفس الفترة التي رحل فيها عبدالعزيز جاسم، رحل عنا قبل أيام أقوى رجل في آسيا، لاعب رمي الجلة القطري بلال سعد، الرجل القوي العنيد الصلب، الهادئ المنطوي المنزوي مع كرته الحديدية، قليلون في عالم الرياضة من كانوا مثل بلال سعد، بطل أكبر قارة في العالم، وصاحب لقب أقوى رجل فيها، لكنه كان يتدرب بلا مدرب، ويحرص على أن يكون في الموعد، فحقق المأمول منه، تدرب بصمت، ولعب بصمت، وحقق إنجازات مدوية أهداها لقطر . . ثم عاش أيامه الأخيرة ورحل بصمت بعد معاناة مع المرض. أعلم أن تكريم الرموز قضية طرحت كثيراً، لكن القضايا التي تستحق يجب أن تطرح دائماً، لأنها يجب أن تبقى حية ما دام تنفيذها ممكناً، وما دام تنفيذها يعكس صورة حضارية للبلاد ويعكس حرصها على رموزها وتكريمهم أحياء كانوا أو بعد رحيلهم. القضية ليست نشر مقالات، ولا تعليق صور، الفكرة أن تخليد هذه الرموز بما يتناسب معهم وما قدموه من إنجازات أو أعمال، تستحق أن تخلد للأجيال القادمة، على أن يكون هذا التكريم للأشخاص الذين يستحقون، بغض النظر عن اختلافنا الشخصي معهم، ولكن يجب أن يتم تكريم كل من قدم لهذه البلد ما تستحقه، وما جعلها في مرتبة تستحق أن تكون فيها. أذكر أني ذات يوم سألت أحد المسؤولين عن سبب تسمية أحد الشوارع باسم صعب جداً وما معناه، فقال لي إنه اسم بئر قديم يقع بالقرب من مدينة دخان، ولازلت كلما مررت عليه أتعجب من القيمة التاريخية والرمزية لبئر قديم وكيفية الحرص على تخليده ليكون شاهداً على تاريخ قطر، بينما لا يحدث الشيء نفسه مع رموز ساهمت في بناء قطر، وما أدهشني أكثر أن الشارع الذي يحمل اسمه في مدينة الدوحة وليس مدينة دخان، بل وما أدهشني أكثر أنني شاهدت في مدينة الدوحة أيضا شارعا آخر يحمل نفس الاسم!!. لا ننكر أن هناك مبادرات حسنة كتلك التي قامت بها وزارة التعليم والتعليم العالي بإطلاق اسم الشخصيات التي كان لها دور في التعليم في قطر على بعض المدارس، أو ما قامت به أكاديمية أسباير في شوارعها الداخلية بتسميتها بأسماء أحداث رياضية مميزة أو لاعبين كان لهم حضور تاريخي في الكرة القطرية، لكننا نطمع في أن تكون هذه السنة الحسنة ظاهرة في كل المجالات والقطاعات، وننتظر أن تكون المبادرة من الجهات كمقترحات على الحكومة لا أن تنتظر هذه الجهات التعليمات للقيام بذلك، فعلى كل قطاع أن يتحمل المسؤولية ويبادر كما بادرت التعليم ومؤسسة أسباير بذلك، وهنا أحدد أن التكريم يجب أن يكون للرموز التي ساهمت إما في بناء هذا القطاع أو المجال أو الرموز التي حققت إنجازات أو فازت بجوائز باسم قطر، لا من تولوا مناصب شرفية لفترة معينة من الزمن، لأن هذا الأمر ينطبق على كل من عمل في القطاع الحكومي أياً كان منصبه، فقد خدم الجميع البلاد كل في مكانه بنفس الطاقة والقدر، ما لم يكن هذا المسؤول قد صنع التاريخ في القطاع الذي عمل فيه وكان فارقاً في ذلك. وليس أكثر تحضراً من أن يتم إطلاق أسماء هؤلاء الأشخاص على شوارع معينة في البلاد، أو مبانٍ تعكس ما كانوا يقدمونه، فعبدالعزيز جاسم يمكن أن نسمي أحد المسارح باسمه، أو الشارع المطل على مسرح قطر الوطني، وبلال سعد ومحمد اللنجاوي وغيرهما ممن لا أريد أن أذكر أحد منهم فأنسى غيرهم. ولا ننسى الذين لا يزالون معنا وقدموا الكثير لقطر، ممن يستحقون التكريم والتقدير، مثل الأستاذ ناصر العثمان والأستاذ سعد الرميحي والأستاذ أحمد علي في الإعلام، وفي الرياضة طلال منصور وأحمد شاهين المريخي وسالم بوشرباك المنصوري ومنصور مفتاح، وغيرهم الكثير الكثير في مجالات السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة وبقية المجالات الذين يستحقون أن تذكر أسماؤهم وتكون ذكرى رمزية وتعليمية للأجيال القادمة. الإرث الحضاري في أي بلد يصنع بتكريم رموز المجتمع، وحان وقت إرساء هذا النهج الحضاري في بلادنا . . وليس ذلك بغريب على قطر.