14 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ لاءاتٍ الخرطوم الثلاثة (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض)، التي انطلقت من مدينة الخرطوم إثر اجتماع القمة العربية بعد هزيمة 1967 واحتلال العدو الصهيوني لأراضي سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، منذ ذالك التاريخ لم يجرؤ أيُّ مسؤول عربي على توجيه تحذير أو حتى لوم للحكومة الإسرائيلية، مثلما فعل السيد مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي، في المؤتمر البرلماني الدولي الذي عُقد في مدينة (سان بطرس بيرغ) الروسية، حيث صدعَ بكلمة الحق ضد الوفد الإسرائيلي: "عليك أن تحمل حقائبك وتخرج من القاعة بعد أن رأيت ردة الفعل من كل البرلمانات الشريفة.. اخرج الآن من القاعة إن كانت لديك ذرة من الكرامة"!؟ هذا هو صوت الحق القوي الذي انطلق من رئيس ممثلي الشعب في دولة الكويت، ونال تقدير واحترام العالم، مثلما نالت الكويت لقبَ مركز العمل الإنساني من قِبل الأمم المتحدة، وأيضًا نال الغانم تقدير أمير دولة الكويت في برقية للغانم أشاد فيها برد الغانم الحازم على رئيس الوفد الإسرائيلي مما اضطره الأخير ووفده المرافق إلى مغادرة القاعة. وأشار سمو أمير دولة الكويت إلى أن رد الغانم "يُجسِّد جليًا موقف دولة الكويت الداعم للأشقاء الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم المشروعة ونصرة قضيتهم العادلة". ولقد حظي الغانم باستقبال رسمي وشعبي حافل في مطار الكويت تقدَّمهُ وزراء وأعضاء مجلس الأمة والمواطنين.45 ثانية هزّت أركان قاعة المؤتمر، وخلقت حالة جديدة في الدم العربي الذي "تخثّر" ورجَّت الرأس العربي الذي "تصدّع" عبر الدهر من المواقف الكرتونية للدول العربية وعلى رأسها جامعة الدول العربية.وما حصل في أروقة المؤتمر المذكور يؤكد أن التربية على الديمقراطية لا بد وأن تخلق شخصيات مثل الغانم، تمامًا كما خلقت من قبله أحمد السعدون والشهيد فهد الأحمد وغيرهم من أبناء ديمقراطية الكويت.إن الشعوب التي تعيش الخوف والتردد لا يمكن أن تُنتج من يدافعون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وإن الشعوب التي تنتظر الصباح كي يأذن لها النظام أن تستفيق، وترى نور الصباح، وتهجع ليلًا بناء على طلب النظام كي تحلم "عنوة" بغد مشرق ولا يأتيها النوم أبدًا، وتظل تطارد الرغيف وتقوم "بتهريبه" سرًا إلى أفواه أطفالها، لا يمكن أن يتخلق فيها أمثال الغانم.نحن شغلتنا أحداثُ الدُنيا عن قضية فلسطين، وهذا اعتراف، ولكن لو بحثنا عن الأسباب الحقيقية لهذا الانشغال، لوجدنا أن العرب – بلا استثناء – قد باعوا القضية، وناقضوا (لاءات الخرطوم)، بل عقدَ بعضهم معاهدات سلام وصداقة مع إسرائيل، كما فعل الرئيس المصري أنور السادات، ومنهم من لم يسترد شبرًا من الجولان المحتل منذ عام 1967، برغم شعارات (الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة خالدة)! وأثبت التاريخ أننا لسنا أمة واحدة؛ بل أمم شتى تنقضّ إحداها على الأخرى في الليل وتصيب التاريخ والجغرافيا والدم في مقتل، ولم تكن لدينا رسالة خالدة!؟ بل إن رسالتنا كانت في إجهاض حركة تحرر الشعوب، التفنن في إنشاء السجون، ورهن مستقبل الشعوب العربية بيد المجهول.من يحاكم الحاكمَ العربي؟ هذا هو السؤال الأهم في هذه المرحلة؟ إذ توجد شعوب عربية تحت خط الفقر! فمن يجب عليه أن يحاكم معمر القذافي، أو علي عبد الله صالح، أو بشار الأسد، ولقد حصلت مذابح وسوء إدارة واستغلال مقدرات الشعوب في هذه البلدان! من يحاكم هؤلاء؟ ومن يجب أن يُحاكم في (الملهاة) التي نعيشها نحن في الخليج هذه الأيام؟ من يحاكم من تسبَّب في تشطير العائلة الواحدة، وتخريبِ شركات الأعمال الخليجية، وضياع الأملاك والحلال التابعة لمواطني دول الخليج؟ ومن يجب أن يُحاكم على حرمان شخص من التعبير عن تعاطفه مع ابن عمه في قطر؟ ومن يجب أن يُحاكم على حرمان القطريين والمقيمين من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام؟ ومن يجب أن يُحاكم علماء الأمة وفقهاؤها على سكوتهم على تعطيل الشعيرة الدينية وخلطها مع السياسة؟مرزوق الغانم وُجد ضمن نطاق سياسي اقتصادي اجتماعي معين، لكنه ثار على واقع الحال، في ظل ملاحظته لـ "هرولة" واضحة وزيارات لمسؤولين عرب في جنح الليل، إلى إسرائيل، وهم يدّعون حماية المصالح العليا للأمة العربية؟أقول: إن الشعب العربي يعيش "خدعة" الوطن و "ضلال" المواطنة، وخدعة الولاء وخدعة المواطن الذي ترعاه الدولة، وتعتبرهُ "أُسَّ" التنمية! وكل ذلك عبارات للاستهلاك الإعلامي، في الوقت الذي لا يساوي المواطن – في بعض البلاد العربية- قيمة رصاصة تُصوب إلى رأسه. هل سألنا اليوم كم تساوي حياة مواطن يمني أو سوري أو ليبي أو صومالي أو مصري؟ هذا السؤال الذي يجب أن يجهر به الإعلاميون الذين يهدرون أوقات فضائياتهم للسخرية من إنجازات دولة قطر، أو "شيطنتها"، كي يلهون الشعوب عن حقيقة الأوضاع المتردية في بلدانهم.هذا النطاق المؤلم، الذي يُغيب عقل المواطن، ويجعل النظام يُفكر نيابة عنه، ويُشغله عمّا يقوم به النظام من سرقة أموال الشعوب من أجل شراء الأسلحة ودفع رواتب أجهزة المخابرات، التي من المفترض أن تُوظف "استخباراتيًا" ضد أعداء الأمة، نجدهم يوظفون أموال الشعب في تلك الأجهزة وشراء أجهزة القمع ضد المواطنين في النظم التي لا يستطيع أي مواطن أن يجهر بكلمة الحق.صرخة الغانم كلمة حق في زمان صمتٍ يُطبق على العالم العربي، ويحجبُ الرؤية عن كثير من حكام العرب، الذين "يتمتعون" جدًا "بركوب" شعوبهم ويستلذون برمي تلك الشعوب في (غيابات الجب) ويضربونهم بالمنجنيق، بل يطبقون حكاية (إخوة يوسف)، الذين غاروا من حُب أبيهم ليوسف، وتلك الغيرة أعمت قلوبهم وعملوا ما عملوا؛ تمامًا كما حصل مع الإخوة "الأربعة" الذين تحالفوا مع الشيطان ضد قطر.لقد قال الغانم كلمة الحق وسانده في ذلك مندبو الشعوب في العالم، وصفقوا له كثيرًا، ونحن بلا شك نفخر بهذا الموقف النبيل لرئيس مجلس الأمة الكويتي، وهو شاب من شباب الخليج الذين نأمل أن يخرج بعضهم من السجون في دول الحصار، كي يمارسوا دورهم الحضاري في خدمة مجتمعاتهم، بدلًا من ممارسة القمع والإذلال عليهم دون محاكمة أو عدالة.أنا أعتقد بأن جيل الحكام العرب الجديد، ورؤاهم المتحضرة سوف تحقق التغيّر في الفكر والممارسة، وهم من نفس جيل الغانم. وهم الأقدر على تحديد أسس العلاقة بين الحاكم والشعب، بما يعود بالخير على الشعوب، ويحافظ على (الهارموني) لتطوير أسس التنمية والرخاء للشعوب؛ شريطة أن يحافظ هذا الجيل على الشفافية ووضع الأوراق على الطاولة، ولا يعتقد أن الحكم لعبة "كوت الستة"!؟لم يغضب أمير دولة الكويت من صرخة الغانم، لأنه تعود على الرأي الآخر وكلمة الحق، ولم يخَف من ردة الفعل الأمريكية أو الإسرائيلية أو غيرها من الدول، بل تبنّى الأمير وجهة نظر ابنه مرزوق الغانم الذي يمثل الشعب الكويتي.إنها صرخة يجب أن تبدّل مواقفَ كثيرٍ من الحكام العرب تجاه شعوبهم، وتجاه القضايا المصيرية للأمة العربية والإسلامية.