28 أكتوبر 2025
تسجيللم تسلم كل مدن الشام من الدمار والتخريب مما طمس ملامحها ولم تعد تعرف هويتها التي اشتهرت بها، خاصة تلك الشواهد التاريخية التي أسسها على مر التاريخ قوم آمنوا بأهميتها وبموقعها واستقروا بها وبنوا حضارات تحكي عظم التاريخ الإسلامي الذي اشتهرت به الشام من القدم، فحافظت على مر العصور، على تلك الشواهد التي ظلت صامدة ومحمية إلى أن جاء عهد "الأسود" فعاثوا فيها فساداً وخراباً أكملها الزعيم السوري المتشبث بحكم هذا البلد لآخر رمق ليزيد من مآسيه المتفاقمة التي لم يشهد التاريخ حقدا ولا كرها لبلده كما يقوم به بشار الأسد. لا تختلف قصة القصف والدمار والنزوح اليومي التي تعيشها المدن السورية عن نظرائها الآخرين، فكل مدينة تحمل عبق التاريخ القديم الجميل، كلها صارت في ذمة التاريخ، وها هي "معرة النعمان" آخر المعاقل الصامدة من عدوان الأسد تئن تحت وطأة القصف اليومي المستهدف، هذه المدينة التي تقع في ريف إدلب الجنوبي والحاضنة لمسقط رأس الشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري ويميزها قربها من آثار إيبلا التي تمتد جذورها التاريخية لمئات السنوات. لم تشفع مدرعات الأسد التي تقصف "معرة النعمان" من فوق ومن أسفل ميزة هذه المدينة التاريخية التي رافقتها لعنة أتت على أخضر المدينة ويابسها، اتخذ النظام حواريها معقلاً ضخماً لقواته، فهجّر سكانها، واحتل بيوتها، ثم دعمها بالأسلحة الثقيلة لتتحول لواحد من أضخم المعسكرات في ريف إدلب الجنوبي. معرة النعمان من المدن السورية المغرقة بالقدم فهي مهوى أفئدة الإنسان القديم الذي استقر بها وأفرز بصمات لا تمحى، شهدت أحداثاً كثيرة عبر تاريخها الطويل وحروباً دامية، يقع في هذه المدينة ضريح الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري ضمن قبر متواضع خلا من الزخرفة والصنعة، وفي ستينيات القرن الماضي أقيم مهرجان ثقافي وأدبي هام في مدينة المعرة ومدينة حلب الشهباء ودمشق واللاذقية بمناسبة الألفية الأولى على وفاته حضره كوكبة من الأدباء والشعراء العرب، منهم الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كانت انطلاقته الشعرية الأولى في هذا المهرجان من خلال قصيدة المعري والتي مطلعها: قف بالمعرّة وأمسح خدّها التّربا واستوح من طوّق الدنيا بما وهبا. صارت "معرة النعمان" كباقي مدن سوريا بتاريخها وآثارها مستباحة في عهد النظام الحالي والأطراف فيها تتصارع وكل طرف يسعى لهزيمة الطرف الآخر، لم يعد النظام يلتفت إلى أهمية التاريخ الحضاري السوري، النظام لم يتـــورع عن قصف المناطق التاريخـــية بصواريخ «سكود» ولا عـــن حرق واحد من أهم أسواق الـــشـــرق العـــربي وأقدمها "سوق حلب القديم" ولا ضرب المسجد الأموي في حلب وتدمير منارته، ولا الحصون والقلاع التاريخية ولا حتى المقامات والمزارات الدينية مثل مقام القائد العظيم خالد بن الوليد في مدينة حمص. النظام قام بمحو وتدمير أحياء كاملة دون احترام للحياة الإنسانية وتسوية بيوت بنتها وعاشت فيها أجيال متلاحقة، وحرق وقصف المساجد والكنائس والقصور التاريخية. معرة النعمان من المدن القديمة عاشت على أرضها حضارات سادت ثم بادت، وتركت خلفها معالم ورموزا جعلت هذا البلد بمثابة المتحف المفتوح للعالم، كانت تسمى "أرض العواصم"، وقال فيها شاعرها الفيلسوف: متى سألت بغداد عني وأهلها فإني عن أهل العواصم وسلامتكم