11 سبتمبر 2025

تسجيل

الطريق الثالث..كرها أو وعيا

30 سبتمبر 2016

لم يعد أمام أحد إلا الذهاب إلى الطريق الثالث.فكرة وحالة الانضباط عند حدود الولايات المتحدة في سوريا، أو حتى السماح بأن تبدو في موقع الراعي أو المتحدث باسم الطرف المواجه لروسيا وإيران – أيا كانت وجاهة المبررات - انتهت بنا إلى مشهد التدمير الشامل للمدن السورية وأعمال الحصار والتجويع القاتل والتهجير الطائفي والإعدادات للتقسيم. وكذا الحال في فلسطين، إذ انتهى اعتبار الولايات المتحدة الطرف الراعي والمهيمن على المفاوضات وملف الصراع - وفق نظرية 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا - ، إلى تهويد القدس وعظم جرم الاستيطان في الضفة واعتداءات وحروب وتدمير في غزة. وفي العراق حدث نفسك بما ترى. انتهى بنا أمر هيمنة الولايات المتحدة على الملفات إلى تقاسم مصالح وتخادم أدوار بينها وإسرائيل وإيران..ومؤخرا روسيا، على حساب وجودنا لا مصالحنا فقط.وفكرة وحالة وتصور إمكانية تحول روسيا إلى نمط سياسي أقل عدوانية، من خلال إقامة علاقات مصالح تعتمد تقديم التنازلات بهدف لجم تحالفها الاستراتيجي مع إيران وبشار والميليشيات الإيرانية – دون أن نكون نحن في موقع قوة مؤثرة عليها فعليا - انتهى بنا إلى المشهد الحلبي الدامي والمبكي والمميت، وإلى بدء تشكيل دول طائفية - بديلا للدول الوطنية - تحت الحماية العسكرية الروسية. كما أن الإشارات المتكاثرة عن دخول روسيا على كل خطوط الثورات المضادة دعما وتسليحا –وآخرها حالة حفتر في ليبيا - لن ينتج عنه إلا ذهاب نظم الثورات المضادة – نفسها - كما ذهب من قبل كل من تعاون مع روسيا خلال مرحلة الحرب الباردة، إلى الهزيمة، والسقوط.ولذا، لم يعد أمامنا إلا السير في الطريق الثالث. لقد انتهت ملامح سياسات مرحلة الحرب الباردة في العالم إلا في سياسات كثير من دولنا التي لا تزال تفضل العيش تحت حماية هذا أو ذاك. والطريق الثالث، جوهره أن نبحث في قدراتنا نحن وأن نحشد قوانا نحن، على المستويات الرسمية والشعبية، وأن نعتمد استرتيجيات متنامية للدفاع عن وجودنا أو لتحقيق وجودنا نحن، وأن تتشكل سياساتنا الخارجية على فكرة البناء الجامع لدولنا أو ما تبقى، دون خطب دعائية وشعارات ودون الحركة الساذجة التي تصنع العداوات، كما حدث من قبل. ولعل نموذج التحالف العربي (والإسلامي) الجامع لدعم الشرعية في اليمن عنوان مهم في رؤية نتائج الاقتراب من استرتيجيات الطريق الثالث، والأهم في التجربة أننا نأخذ قرارنا بيدنا – مرة أخرى دون صناعة عداوات – وها هي مواقف الخصوم المتلاعبة والضاغطة والمعوقة لإعلان النصر النهائي على الانقلابيين، نموذجا ومعيارا أهم لصحة مثل هذا الطريق - وليس العكس - وهي مؤشر على تحدياته في الوقت ذاته.والطريق الثالث أساسه اعتماد الرؤى الوطنية لا الطائفية التفكيكية، وألا نكون في الموضع الذي يمكن الخصوم والأعداء من إنفاذ إستراتيجيات الاختراق، وأن نعتمد أطروحات الحوار الصادق والعميق والصبور، بين كل القوى والتيارات مهما اختلفت مشاربها وأفكارها، لتشكيل سبيكة مجتمعية ولترميم الجراح التاريخية والحاضرة. فالغربان لا تعيش في المناطق العامرة بل في الخربة. وأهم وأمضى سلاح بيد إيران هو اللعب على فكرة المظلومية التاريخية، لتأجيج الصراعات وتفكيك الدول وإشعال للحروب الأهلية وصولا لتعميم نموذج الدولة الطائفية في عموم الإقليم.