11 سبتمبر 2025
تسجيلوجه الحاجة يومياً إلى الفاتحة ودعائها على طول العمر ولكل الأعمار.. وَاظَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طُولَ عُمْرِهِ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَبَ عَلَيْنَا ذلك، لقوله تعالى: " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"[الأعراف: 158] وَلِقَوْلِهِ: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النُّورِ: 63] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آلِ عِمْرَانَ: 31] ولِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا»، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا». ولقوله فى الصحيح " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "[1] وكذا الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدُونَ وَاظَبُوا عَلَى قِرَاءَتِهَا طُولَ عُمْرِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رُوِيَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الراشدين من بَعْدِي»، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» والْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ، غَيْرُ تَمَامٍ، قَالُوا: الْخِدَاجُ هُوَ النُّقْصَانُ، هَذِهِ السُّورَةَ مَحْفُوظَةٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ مُتَيَسِّرَةٌ لِلْكُلِّ، والْأَخْبَارَ دَالَّةٌ عَلَى أنها أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ السُّوَرِ، ومن مقتضى استدامة دعاء الفاتحة بالهداية يوميا طول العمر ولكل الأعمار أَنَّ الْإِنْسَانَ طُولُ عُمُرِهِ لَا يَنْفَكُ عَنْ زَلَّاتٍ وَهَفَوَاتٍ، إِمَّا مِنْ بَابِ الصَّغَائِرِ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَفْضَلِ، والْوَسَاوِسُ تَقَعُ فِي القُلُوبِ؛ من آن لآخر فَكُلَّمَا وَقَعَتْ وَسْوَسَةٌ فِي قَلْبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْهَا، وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ فِي إِزَالَتِهَا عَنْ قَلْبِهِ، فَلِكَثْرَةِ الإِقْدَامِ عَلَى الدعاء بالهداية والتَّوْبَةِ بِسَبَبِ خَطِرَاتِ تِلْكَ الْوَسَاوِسِ بِبَالِهِمْ يهدي الله تعالى العبد ويتوب عليه من هذه الوساوس والخطرات، ومن حِكَم إيجاب الله تعالى لهذا الدعاء على المسلم يوميا " أن الْإِنْسَان خلق ظلوما جهولا فَالْأَصْل فِيهِ عدم الْعلم وميله إِلَى مَا يهواه من الشَّرّ فَيحْتَاج دَائِما إِلَى علم مفصل يَزُول بِهِ جَهله، وَعدلٍ فِي محبته وبغضه وَرضَاهُ وغضبه وَفعله وَتَركه وإعطائه وَمنعه، وكل مَا يَقُوله ويعمله يحْتَاج فِيهِ إِلَى عدل يُنَافِي ظلمه فَإِن لم يمن الله عَلَيْهِ بِالْعلمِ الْمفصل وَالْعدْل الْمفصل وَإِلَّا كَانَ فِيهِ من الْجَهْل وَالظُّلم مَا يخرج بِهِ عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم. وقال ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في الحسنة والسيئة - العبد محتاج إلى أن يُعلِّمه ربه ما يفعله من تفاصيل أحواله. وإلى ما يتولد من تفاصيل الأمور في كل يوم، وإلى أن يلهم أن يعمل ذلك. فإنه لا يكفى مجرد علمه ؛ إن لم يجعله الله مريداً للعمل بعلمه، وإلا كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتدياً، والعبد محتاج إلى أن يجعله الله قادراً على العمل بتلك الإرادة الصالحة. فإنه لا يكون مهتدياً إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إلا بهذه العلوم والإرادات، والقدرة على ذلك. ويدخل في ذلك من أنواع الحاجات ما لا يمكن إحصاؤه. ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة؛ لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء. وإنما يَعرف بعضَ قَدْرِ هذا الدعاء من اعتبر أحوال نفسه ونفوس الإنس والجن والمأمورين بهذا الدعاء، ورأى ما في النفوس من الجهل والظلم الذي يقتضي شقاءها في الدنيا والآخرة، فيعلم أن الله بفضله ورحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر.[2] ومن مقتضيات دعاء الفاتحة يوميا وفى كل ركعة كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى فى مجموع الفتاوى ".. وَلَمَّا كَانَ الْعَبْدُ فِي كُلِّ حَالٍ مُفْتَقِرًا إلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِيهِ وَيَذَرُهُ مِنْ أُمُورٍ قَدْ أَتَاهَا عَلَى غَيْرِ الْهِدَايَةِ، فَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى التَّوْبَةِ مِنْهَا، وَأُمُورٍ هُدِيَ إلَى أَصْلِهَا دُونَ تَفْصِيلِهَا، أَوْ هُدِيَ إلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى تَمَامِ الْهِدَايَةِ فِيهَا لِيَزْدَادَ هُدًى، وَأُمُورٍ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِنْ الْهِدَايَةِ فِيهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ مَا حَصَلَ لَهُ فِي الْمَاضِي، وَأُمُورٍ هُوَ خَالٍ عَنْ اعْتِقَادٍ فِيهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْهِدَايَةِ فِيهَا، وَأُمُورٍ لَمْ يَفْعَلْهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى فِعْلِهَا عَلَى وَجْهِ الْهِدَايَةِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَاجَاتِ، إلَى أَنْوَاعِ الْهِدَايَاتِ، - لهذا - فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ هَذِهِ الْهِدَايَةَ فِي أَفْضَلِ أَحْوَالِهِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ النِّعْمَةِ مُغَايِرُونَ لِلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " الْيَهُودِ " وَالضَّالِّينَ " النَّصَارَى "[3] وَقد قَالَ تَعَالَى لنَبيه - صلوات الله وسلامه عليه - بعد صلح الْحُدَيْبِيَة وبيعة الرضْوَان فى العام السادس الهجري التاسع عشر من البعثة " إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك ويهديك صراطا مُسْتَقِيمًا وينصرك الله نصرا عَزِيزًا [سُورَة الْفَتْح 1 — 3] فَأخْبر أَنه فعل هَذَا ليهديه صراطا مُسْتَقِيمًا فَإِذا كَانَ هَذَا حَاله فَكيف حَال غَيره[4] هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته.