13 سبتمبر 2025
تسجيللا يخفى على المتابع للشأن العام في الشرق الأوسط الأزمات التي يعيشها الوطن العربي على مدى عقودٍ من الزمن، ما بين ضياع البوصلة وغشاوة الرؤية وضآلة الإنجازات وضعف البنية المجتمعية، رغم ما يمتلك من مقومات بشرية، وموارد طبيعية، وجغرافيا إستراتيجية، لو استغلت بشكل صحيح لجعلت منه كتلة صلبة بين التكتلات السياسية، ورقما صعبا في الحراك السياسي الدولي. إلا أن الواقع غير ذلك تمامًا، فمعظم الشعوب العربية اليوم، وهذا من واقع المؤشرات الدولية، تعاني من تغلغل الفساد وعدم جدية المبادرات لمحاربته، ومن تواضع مخرجات التعليم، وتردي جودة الخدمات، وعرقلة مبادرات الإصلاح التي تتبناها مؤسسات المجتمع المدني، وضيق مساحة الحريات، فضلًا عن النزاعات الحدودية، والحروب الباردة، والمناكفات السياسية التي لا يأمن عواقبها المواطن البسيط إذا ما قرر السياسيون خوض غمارها من أجل حساباتهم الضيقة. ولست ممن يتبنى قضايا جلد الذات، ولا تلميع المعادن الرخيصة، وأميل بطبيعتي إلى التعامل مع الواقع والمستقبل أكثر من الاستغراق في التاريخ الذي أجهل ظروف كتابته، لذا أعجب من بعض المنتسبين للعلم والثقافة في وطننا العربي عندما يتجاهلون كل تلك التحديات التي نواجهها في واقعنا المعاصر، ثم ينبري أحدهم جاهدًا في نبش تاريخ الدولة العثمانية باحثًا عن مثالبها وعن هفوات سلاطينها، مجتهدًا في تشويه صورتها بشتى الوسائل، وأنا أتساءل لحساب من كل ذلك؟ تلك الإمبراطورية الإسلامية استمرت 622 عامًا، وخلال عقود بسيطة من نشأتها في العام 1299م، فرضت نفسها كقوة بحرية عالمية بعدما أحكمت قبضتها على عشرات الموانئ في آسيا ووسط أوروبا وشمال إفريقيا، فكانأسطولهاالقوة التي لا تغيب عنها الشمس، ولها من الإرث الحضاري ما يغنيها عن أن تستجدي من يدافع عن تاريخها وعن ثقافتها وعن عمرانها وعن صناعتها وعن مؤسساتها. ومع أننا لا نصدر صك «المدينة الفاضلة» لأي دولة عبر التاريخ الإسلامي عدا حقبة الخلافة الراشدة، فإنه لا يخفى على المتابع لهؤلاء الناعقين على كل صعيد بأن الهدف من هذه المحاولات البائسة لتشويه تاريخ الدولة العثمانية هو النيل من جذور الجمهورية التركية الحديثة بقيادة حزب العدالة والتنمية، تلك الدولة التي قامت على أنقاض دولة الخلافة العثمانية، أي منذ ما يقارب المائة عام، حيث معاهدة لوزان التي عقدت بين الدولة العثمانية ودول الحلفاء وهي آخر معاهدة للدولة العثمانية، وبالتزامن أيضًا مع نفاذ معاهدة سايكس بيكو المشؤومة. كان الأجدر بمن يرى القذى في تاريخ الخلافة العثمانية أن يبصر الشتات والتيه الذي يحيط به، كان الأولى أن يستخدم شجاعته اللفظية ومهاراته البحثية في إبراز التحديات التي تواجه الوطن العربي، والمساهمة في إيجاد حلول لأزماته المتلاحقة، كان الأولى بالمثقف العربي من هؤلاء أن يسلط الضوء على الإنجازات العظيمة للدولة التركية الحديثة خلال المائة عام الماضية متسائلًا عن أسباب تقدمها وتأخرنا كعرب على كافة مستويات عناصر النهضة الحديثة، ثم يتساءل ... أين نحن من صناعة السلاح؟ وأين نحن من صناعة الدواء؟ وأين نحن من صناعة الغذاء؟، بل أين نحن من حرية الرأي ومن حقوق الإنسان ومن نزاهة الانتخابات ومن استقلالية منظمات المجتمع المدني، ومن مكافحة الفساد السياسي؟ وختامًا يقول المثل العربي: “من كان بيته من زجاج،لا يقذف الناس بالحجارة”.