20 سبتمبر 2025
تسجيلشكلت فيضانات باكستان المدمرة هذه الأيام جرس إنذار حقيقي للعالم كله، بعد الحديث المتزايد عن تأثير التغيرات المناخية التي تنتظر العالم، بل وتفتك به، والتي تعرضت لها دول أخرى خلال الأعوام الماضية. ربما كانت باكستان هي دولة المواجهة، ودولة خط النار الأول مع التغيرات المناخية التي تهدد الكرة الأرضية هذه الأيام، إذ فجأة رأينا ربع أو ثلث باكستان وقد غمرتها المياه في سابقة لم تتعرض لها من قبل، بعد أن فاقت مشكلتها اليوم ما تعرّضت له في عام 2010، ورأينا كيف أن 33 مليون باكستاني قد تضرروا من جراء هذه الفيضانات، بعد أن أعلنت الحكومة رسمياً أن أكثر من 1033 شخصاً قد ماتوا بسبب هذه الفيضانات، إثر فيضان أنهار باكستانية ثلاثة وهي سوات، وكابل وإندوس مما شمل الضرر الأقاليم الباكستانية الأربع التي تشكل باكستان الحالية. تخلل هذه الفيضانات حالة من الجفاف والقحط أصابت البلاد خلال الأشهر الماضية، مما فاقم مشكلة الأهالي، وتفاقمت معه مشكلة الفلاحين والمزارعين الذين يشكلون النسبة الأكبر من سكان باكستان، وقد تعدّت حالة الضرر باكستان لتصل إلى دولة الجوار أفغانستان التي خرجت لتوها من حرب دامت عشرين سنة، لتسفر الفيضانات فيها عن مقتل 182 شخصاً، وجرح 250 آخرين، وتدمير 3100 منزل. فضلاً عن أضرار ضخمة لحقت بالأشخاص العاديين من جرائها. تداعيات الأمطار الموسمية وذوبات الكتل الثلجية على قمم جبال الهيملايا في باكستان، ستنذر بكوارث حقيقية ومدمرة، وهو ما دفع ذلك وزيرة البيئة الباكستانية شيري رحمن إلى القول بأن البنية التحتية للبلاد في حالة شلل حقيقي بعد الأضرار التي لحقتها من جراء هذه الفيضانات، ففي اقليمي السند وبلوشستان لوحدهما كانت الفيضانات الأعنف والأقسى منذ فيضانات عام 1961، وهو ما تسبب في نفوق 700 ألف من رؤوس الماشية، وغمرت الفيضات كذلك أكثر من مليوني هيكتار من الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها المزارعون في حياتهم ومعاشهم، فكانت النتيجة هلاك المزروعات فيها، وعلق كبير وزراء اقليم السند مراد علي شاه على فيضان نهر السند بأنه لم تبق منطقة في الاقليم لم تغمرها المياه. وفي منطقة سوات السياحية والواقعة في اقليم بختون خواه وعاصمته بيشاور والمتاخمة لأفغانستان أعلن المسؤولون الرسميون عن تدمير 24 جسراً مقامة على الأنهار نتيجة الفيضانات، وكذلك عن تدمير 50 فندقاً للسياح، وكان من بين الفنادق فندق ضخم يضم 150 غرفة. المؤرخون والكتاب الكبار من أمثال كريفيلد، وروبرت كابلان يعتبرون أن المعركة الحقيقية للجيوش لم تعد خارجية فقط، بعد أن تحولت الجيوش بنظر كابلان إلى جيوش ديناصورية، وإنما المعركة والحروب الحقيقية التي تهدد الدول ستكون حروباً وطنية، ومنها التغيرات المناخية وتداعياتها، ونحن نرى اليوم انغماس الجيش الباكستاني في عمليات إجلاء المتضررين، ومواجهة حرب التغير المناخي، بالإضافة إلى حروب وطنية من نوع آخر مثل انتقام الفقراء من الأغنياء، و غياب نظام العدل العام وكذلك الجريمة الداخلية بسبب التفاوت الاجتماعي الذي يهدد كثير من الدول. الحل الجذري والحقيقي بنظر الخبراء في هذا المجال ليس بالعلاج الطارئ لهذه الفيضانات عبر مساعدة المتضررين وإعادة بناء البيوت، وإصلاح البنية التحتية فحسب، وإن كان هذا مطلوب بكل تأكيد، وإنما بالتوجه الطويل الأمد لجذر المشكلة، وهي الجامعات بحيث يتم تخريج جيل حقيقي يفهم كل هذه المشاكل العميقة، ويتعاطى معها بشكل سلس ومتسق ومتواصل ومستمر في حالة السلم والهدوء كما في حالة الشدة والكوارث، وهنا يمكن معالجة القضية جوهرياً وجذرياً، ودون ذلك فسيكون الخطر أعظم، وستنفجر المجتمعات بوجهنا جميعاً.