07 أكتوبر 2025

تسجيل

ولائم العزاء

30 أغسطس 2020

يتشاجرون ويسبق أحدهم الآخر بالحلف والقسم على أن يتحمل الغداء أو العشاء، ثم يصر الآخر على أن يكون بعده، وهكذا يبدأ التسجيل في قائمة طويلة طيلة أيام العزاء، وهناك من يغضب أو يزعل أو يأخذ على خاطره، لامتلاء قائمة أيام العزاء الثلاثة دونما تسجيل اسمه ضمنها، مع أنه قام بواجب التعزية الأصلي خير قيام. مثل هذه الظاهرة دخيلة على مجتمعنا، أعرف أشخاصا ممن ثُكلوا بفقد عزيز أو حبيب حصلت لهم حالات انهيار عصبي بعد انتهاء مراسم العزاء، لتفوق مظاهر المشاركة المادية التي أحالت التعزية الى مظهر من مظاهر التنافس الاجتماعي على مظاهر المشاركة الوجدانية الحقيقية، التي تتسم بعدم التكلف وبالاحساس المتبادل مع ما يشعر به المصاب، حتى إنك أحيانا ترى سيارات المطاعم أو الفنادق أمام بيوت العزاء فتحسبه فرحا يقام. لم يكن كذلك الوضع في السابق، العزاء مناسبة حزينة لها محدوديتها التي لا تحتمل كثرة اللغو أو المزايدة، كما لا تحتمل التطويل بشكل يجعل منها مظاهرة، بات من الضروري التنبه لمثل هذه السلوكيات، حتى لا يتحول العزاء إلى ساعات انتظار للغداء أو للعشاء، لذلك من الضرورة في اعتقادي عدم استمرار ساعات العزاء طول اليوم، رحمة بأهل المصاب، ولا تستمر ليلا حتى وقت العشاء المتأخر. إذا كانت الوليمة لأهل المصاب، فهم ليسوا في وضع يجعل منها طقسا، وإذا كانت للضيوف فيكفي أنهم قاموا بالواجب الديني والانساني الأولى والأهم وهو تقديم التعزية، والمشاركة حتى لا يفسد جلوسهم على الوليمة أثر ذلك أو يشتته بعيدا عن القصد والمراد، الى درجة ان بعض المعزين يأتي وقت العشاء أو الغداء فيجلس على الوليمة، وكأنها الهدف الاول من مجيئه، هذه مناظر مشهودة وتتزايد، وسلوكيات بحاجة إلى ضبط، يمكن أن يتم ذلك في أضيق الحدود وبين أهل المصاب فقط ولا يعلن عنه أو يصبح قائمة تُسجل وأسماء تُكتب. نحن في حاجة لترتيب أولوياتنا الاجتماعية بحيث يصبح الفرح مصدرا للفرح والسرور، والعزاء مناسبة للمشاركة الوجدانية لأهل المصاب، سواء من ناحية تحديد الوقت أو من ناحية استقبال المعزين، الذي ألحظه كذلك والذي يأخذ الامر لمنحى آخر جديد هو أن هناك تسابقا وتهافتا كذلك للسلام على الشخصيات الكبيرة القادمة للعزاء من قبل المُعزين، حتى قبل أهل المصاب الاولى بالتعزية والاكثر ضعفا وانكسارا في تلك الساعة، فتصبح "مصائب قوم عند قوم فوائدُ". اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما!.