15 سبتمبر 2025
تسجيلحضرتُ قبل أيام ندوة (الحصار الجائر.. بين الفعل وردة الفعل) التي نظمها الملتقى القطري للمؤلفين، بوزارة الثقافة والرياضة. وشارك في الندوة كل من الدكتور محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية والزميل الإعلامي جابر الحرمي والفنان غانم السليطي. وأدارت الندوة الدكتورة إلهام بدر. ولقد ركَّز سعادة السيد صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة في كلمة له على قضية تنمية الوعي، استنادًا إلى خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، ودعوته إلى الجدية والإخلاص للوطن وخدمته في كل المجالات. كما أكد سعادته الدعوة لأن يكون للثقافة دور في معركتنا ضد الحصار، مشيرًا إلى أن هذه المعركة أخلاقية في المقام الأول. ودعا سعادته المبدعين إلى إنتاج أعمالهم ارتكازًا على أخلاق القطريين، وأن تعكس تلك الأعمال ما يشهده المجتمع من تكاتف وتلاحم. وفي حقيقة الأمر فإن أزمة الحصار لابد وأن تُوَثق بصورة حقيقية، في ظل انتشار الافتراءات والأكاذيب والمبررات لحقيقة الحصار على دولة قطر. لأن التاريخ لن يتوقف عند نقطة معينة، وأن الأجيال القادمة لابد وأن تعرف الحقيقة. ولتفعيل ما أشار إليه سعادة الوزير، فإن كل المبدعين مدعوون للتعبير عن هذه الأزمة بعقلانية ودون تشنج كما يفعل أهل الحصار، فمثلًا يمكن أن يكون الحدث موضوع لوحات تشكيلية، أو ألحانًا غنائية، أو أوبريتات أو مسرحيات، أو روايات أو قصصًا قصيرة، أو أفلامًا قصيرة أو مسلسلات.. وغيرها من أشكال الإبداع، ويمكن عمل الكثير في هذا الاتجاه. تطرق الدكتور محمد المسفر إلى خطاب حضرة صاحب السمو الأمير الذي ركز على (الإرادة)، وأشار إلى مراحل الحصار وتهيئة المسرح له، وأن دول الحصار استعانت بمراكز بحثية متخصصة في أمريكا للترويج لقضية دعم قطر المزعوم للإرهاب! وهو موضوع "يدغدغ" عواطف الغرب والأمريكيين، نظرًا لما تعرضوا له من هجمات إرهابية منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001. وألمح في مداخلته إلى موضوع تعزيز الجبهة الداخلية، والثقة التي تأكدت بين القيادة والشعب، وكيفية تحصين هذه الجبهة. كما تناول د. المسفر المفاجآت الجديدة على المسرح السياسي، بانفتاح "الأعداء" على بعضهم البعض، كما حصل بين السعودية وإيران والعراق! وختم بضرورة أن تكون هنالك نظرة ثاقبة تجاه العلاقات مع تركيا، نتيجة للتركيبة السياسية في هذا البلد، دون التركيز على حزب بعينه. الإعلامي جابر الحرمي ركَّز في مداخلته على روح الصدق والموضوعية التي برزت على المشهد الإعلامي القطري، مما أهَلهُ للنجاح في التصدي للحملة الشرسة المُنظمة التي شُنت على دولة قطر من قبل دول الحصار الأربع، مشيرًا إلى أهمية "الاستثمار في أهل قطر وهو الاستثمار الحقيقي". الفنان غانم السليطي دعا إلى ضرورة أن ينعكس ما يجري على الساحة من أحداث على الفن، موضحًا أن هذه الأحداث تستدعي وجود أعمال جديدة، وأننا في قطر لا نعاني من أزمة نصوص، بقدر ما نفتقد إلى (النصّاصين)، أي كُتاب النص، وهو يقصد مدى اقترابهم من الحدث وابتكارهم لأساليب معالجته فنيًا، مقترحًا بداية جدية وعملية في هذا الاتجاه، وهو توثيق حلقات (شللي يصير) في كتاب توثيقي. لقد طالت الندوة مناحي عديدة لا يمكن حصرها هنا، ولكن تبقى لدينا بعض الملاحظات: 1- يجب أخذ ما دعا إليه الدكتور محمد المسفر عن العلاقات مع تركيا على محمل الجد، ولابد من شمولية العلاقات الدبلوماسية مع دول العالم. 2- يجب متابعة التحركات السعودية الأخيرة مع إيران والعراق ودراسة أثر تلك التحركات على واقع المنطقة، تمامًا كما هو الحال في تغيّر الطبيعة الديموغرافية والجغرافية في بحر العرب ومنطقة (المهرة) في اليمن، وأثر ذلك على إمكانية توريط سلطنة عمان في التغيّرات التي تشهدها المنطقة. 3- أهمية وجود آلية لوصول الكتّاب والإعلاميين إلى المعلومة الصحيحة، ولقد برز ضعف الأداء الإعلامي في بداية الحصار، كما أشار لذلك الإعلامي جابر الحرمي، إلا أنه بعد استيعاب الصدمة تبلور مفهوم ردة الفعل والمبادأة في دحض افتراءات إعلام دول الحصار، خصوصًا في برنامج (الحقيقة) على تلفزيون قطر. فنحن فعلًا نعيش (كهنوتًا سياسيًا) يفصل الإعلامي عما يدور خلف الكواليس، وحبذا لو وُجد لقاءٌ شهري مع أحد المسؤولين بوزارة الخارجية وبين الإعلاميين، لأن الكاتب من دون معلومات لن يكون مؤثرًا، بل يتحول إلى "مُعلق" على الأحداث، وهذا ما لا نريده لكُتابنا. 4- نحن بحاجة إلى نقل مثل هذه الفعاليات خارج الدوحة، مثل: الخور، الوكرة، الشمال وغيرها من الأماكن، كي يسمع المحاضرون والمنظمون آراء شريحة كبرى من أبناء الوطن، ورؤيتهم لما يجري، ويستفيد الجمهور في تلك المناطق من آراء المحاضرين. 5- إن الوعي الذي أشار إليه سعادة الوزير، لا يمكن أن يتحقق إلا بتكاتف الأسرة والمدرسة والجامعة وسلوك الفرد خارج المنزل. والوعي Consciousness له عدة معان، منها: الإحساس، الشعور، الإدراك، البصيرة، الرُشد، الصواب والمعرفة، وكل هذه المعاني ترشد الإنسان إلى ما يجب عليه القيام به من أجل فهم أو تفهم العالم المحيط به! وبالتالي اتخاذ موقف سليم وملائم تجاه هذا العالم؛ مما يحفظ حياته وتلاحمه مع المحيطين به، وجعل المكان آمنًا وملائمًا للحياة، ودرء الأخطار عن ذاته وعن الآخرين. والوعي مرحلة متطورة عن الانتماء واستواء الشخصية، ويأتي عبر التفكير السليم والقدرة على التحليل والوصول إلى الاستنتاجات السليمة. وقد تساعد القراءة ووسائل الإعلام في تنمية الوعي، إلا أن العامل الأهم في الأمر هو وجود شخصية متزنة وعاقلة وقادرة على استيعاب ما يدور حولها. كما يتطلب هذا الوعي وجود مناخ من الحرية وقبول الآخر والاعتدال في المطالب، وأيضًا الإتيكيت والثقافة العامة، والقدرة على تمرين العقل لاستيعاب حقيقة الموقف. وبعد، فإننا بحاجة إلى مثل هذه اللقاءات الثقافية الفكرية، كي نستفيد من بعضنا البعض، ونطرح بعض الرؤى الكفيلة بتطوير أدواتنا وتوسيع مداركنا للإحاطة بما يجري حولنا، وبالتالي نفكر بماذا يمكن مواجهة الاحتمالات الكبيرة في قادم الأيام. وجميل أن يحضر بعض هذه اللقاءات مسؤولون من وزارة الخارجية، ليستفيد الإعلاميون والكُتاب من خبرتهم ومن رؤيتهم للتداعيات المستقبلية للحصار، واستيعاب حجم دعم دول العالم لدولة قطر، وطبيعة مصادر المعلومات العالمية التي تُعين الإعلاميين والكتاب على رفد قدراتهم وشمولية كتاباتهم وتقاريرهم حول أزمة الحصار. أكاديمي وروائي قطري