11 سبتمبر 2025
تسجيلحسب المعلومات السابقة وغير المحدثّة لدي، فإن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" قد باتت في طريقها إلى توديع مهماتها التي أنشأت من أجلها أساسا، لأسباب عدة ولعل المعلن منها هي الأزمات المالية السنوية التي تعاني منها جرّاء عدم التزام الدول المانحة بما تم الاتفاق عليه من دفع المبالغ المالية التي تعتمد عليها الوكالة للقيام بواجبها تجاه المخيمات الفلسطينية في الأردن والضفة الغربية وغزة وسوريا ولبنان، وهي تقدم الخدمات الأساسية كالتعليم والطبابة والتغذية والخدمات الإنسانية الأخرى، ولكن يبدو أن المشكلة باتت في المنظمة الأم أي منظمة الأمم المتحدة التي باتت عاجزة عن استمرار العمل في بؤر الصراعات لذلك تدفع باتجاه إنهاء خدمات الوكالة التي مدد لها حتى ربيع 2017. في العالم الماضي كان شبح إغلاق مدارس الوكالة في الأردن يهدد 150 ألف طالب، وكان السبب المعلن أيضا هو العجز المالي، لهذا بذل الأردن جهودا مضنية لتوفير المبالغ المطلوبة لسد العجز، وجراء الجهد الأردني قامت الحكومة السعودية بدفع مائة وخمسين مليون دولار وتحويلها للوكالة، زيادة على المنحة الأمريكية، وهذا ما أعاد الحياة إلى المدارس وتوفير رواتب العاملين فيها من مدرسين وإداريين، ولكن اليوم بات مختلفا عن الأمس، وعادت الأزمة المالية تدق ناقوس الخطر وتعطي المبرر الأفضل للوكالة كي تستريح من المهمة التاريخية المتعبة. إن وجود وبقاء الأونروا ليس مجرد وجود هيئة أممية تقدم الخدمات لشعب طرد من أرضه فحسب، بل هو دليل على وجود مشكلة سياسية وإنسانية وصراع ما بين معتد ومعتدى عليه، وذاكرة حية على معاناة الشعب الفلسطيني الذي بات يفقد الأمل في إعادة حقه في العودة في ظل هذه الأعاصير الكارثية التي يعاني منها العالم العربي، والحروب والصراعات في البلدان الكبرى، فالقضية السورية طغت على القضية الفلسطينية اليوم واللاجئين السوريين والمهجّرين العراقيين والمشردين الليبيين وضحايا الحرب في اليمن أزاحوا قضية اللاجئين الفلسطينيين عن المشهد، ما أضعف الاهتمام التاريخي بهم وبحل قضية العودة وحق اللاجئين في تقرير مصيرهم. معلوماتي شبه المؤكدة أن الوكالة رفضت عروضا لتبرعات مالية كبيرة تم تقديمها لغايات دعم جهودها لخدمة بيئة المخيمات، ولعل أهم هذه العروض جاءت من البنك العربي ومن السيد صبيح المصري كلا على حده وبحدود مبلغ 20 مليون دينار، وهذا يشي بأن هناك نوايا ما تجاه بقاء الوكالة عاملة على الأراضي الأردنية، وهذا ما يهمنا، فإذا انسحبت فستجد الحكومة الأردنية تحديا جديدا يتعلق بمصير 117 ألف طالب يدرسون بمدارس الوكالة سنويا، ناهيكم عن طلاب الكليات والموظفين المحليين من مدرسين وإداريين، فضلا عن المراكز الصحية وخدمات الطبابة ومساعدة العائلات المسجلة غذائيا وماليا في المخيمات العشرة. لهذا وفي ظل الجمود المتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع الوجودي مع إسرائيل وتوقف المفاوضات التي لا يؤمل منها أي نتيجة باتجاه الحل النهائي، ستبقى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية الثلاث وفي الداخل الفلسطيني قائمة، وهذا يؤكد حقهم في بقاء الأونروا حتى تنتهي المشكلة، وغير ذلك سيؤدي إلى قذف المشكلة من جديد في حضن الدول المستضيفة، والأهم هو رمي 380 لاجئا مستفيدا من خدمات الوكالة، من أصل 2 مليون ومائة ألف لاجئ في الأردن حسب الإحصاء الرسمي، لمصير قاتم ولأحضان الفقر والمرض، ما يزيد من معاناة الدولة الأردنية ماليا واجتماعيا وسياسيا أيضا. إن أي هروب للوكالة من مسؤولياتها هو هروب لهيئة الأمم المتحدة والدول الأعضاء المعنيين بدعم بقاء وكالة الغوث، وعلى المنظمة الأممية إجبار إسرائيل على المشاركة بتقديم الدعم المالي المباشر للوكالة، لأنها السبب المباشر في هذه المأساة الكبرى لشعب تم تهجيره لإحلال مهاجرين جدد في أرضه، ولهذا لا يمكن القبول بالمقارنة ما بين اللجوء السوري وامتحان القدرة الأردنية لتحمل اللاجئين السوريين على أرضه لتبرير خروج وكالة الغوث ذات الجهود الجبارة.