31 أكتوبر 2025

تسجيل

في الانهيار الصيني

30 أغسطس 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); إن أي نموذج اقتصادي للتنمية تتبناه أي دولة في العالم له جوانب إيجابية وله جوانب سلبية. فبقاء مثل هذا النموذج ليؤدي وظائفه محكوم بمدى قدرته على التكيف مع التقلبات العالمية بين مد وجزر. ومن الواضح عند الحديث عن النموذج الصيني للنمو الاقتصادي، فإننا نتحدث عن اقتصاد قائم على الصادرات منذ التحرير الاقتصادي عام 1978. وقد حقّق هذا النموذج نجاحات باهرة وجعل الصين تحتل اليوم المرتبة الثانية من حيث حجم الاقتصاد بعد الولايات المتحدة. وعلى مدى عقود نمى الاقتصاد الصيني بمعدل يفوق الـ10%، مما يعد الأسرع نموا في العالم، وبات يشار إليه بأنه قاطرة النمو الاقتصادي العالمي. وعدا عن أن أي نموذج اقتصادي قد يستنفد أغراضه بعد فترة من الزمن بفعل عوامل ذاتية مرتبطة بقدرته على الاستجابة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، فقد أسهمت أيضا عوامل خارجية كثيرة في كبح جماح معدلات النمو العالية للاقتصاد الصيني، لعل في مقدمتها زيادة تنافسية البلدان المجاورة من جهة، وتواصل التباطؤ الاقتصادي لفترة طويلة من الزمن في البلدان المستوردة للصادرات الصينية. يمكن القول إن المسؤولين في الحكومة الصينية استشعروا في السنوات الأخيرة وبالذات بعد الأزمة العالمية عام 2008، والتي خلقت انخفاضا مزمنا على الصادرات الصينية، الحاجة لتطوير النموذج الاقتصادي القائم أساسا على نمو هذه الصادرات. وبدأت بالتحرك وفقا لرؤية تهدف إلى جعل النمو محكوما بعوامل داخلية أكثر منه خارجية. لذلك أعربت عن رغبتها في التوجه لتطبيق نموذج قائم على الاستهلاك بعد عقود من اعتمادها على عائدات الصادرات للاستثمار محلياً وتحقيق النمو الاقتصادي. وضمن سياستها الجديدة لتشجيع الطلب والاستهلاك الداخليين، شجعت الصين المستثمرين في الأسواق الصينية على التوجه نحو أدوات جديدة بعيدة عن الأدوات التقليدية، فازدهرت أدوات الاستثمار في الديون والرهن العقاري ودعم هذا التوجه ظهور طبقة متوسطة ذات توجهات استهلاكية جديدة تتماهى مع النمط الغربي للاستهلاك والذي يتطلب بنى تحتية عقارية سكنية وترفيهية مكلفة يلزم لتمويلها إيجاد آليات تمويل جديدة، كالرهن العقاري وبيع الديون وغيرها على غرار النمط الأمريكي في التمويل، مما نتجت عنه في النهاية أيضا فقاعة تمويل عقاري صينية الصنع هذه المرة. أخذت هذه الفقاعة دورتها الطبيعية منذ بدايات 2013، وواضح أنها انفجرت في منتصف يونيو 2015 الماضي بسبب تداعيات الموجة الأولى من التخلف عن السداد. وقد خلق هذا الوضع وضعا اقتصاديا جديدا يسير في مسارين مختلفين، أحدهما قائم على الخدمات والاستهلاك، لكنه مثقل بآخر قديم يظهر في اتجاه متباطئ من الصناعات مثل الصلب والتعدين والذي يعاني من عدم الفعالية والطاقة الفائضة. وامتد كلا المسارين في سوق العقارات في البلاد الذي يتميز بالحجم الكبير في المدن متوسط وصغيرة الحجم، والطلب القوي في المدن الكبيرة. ومما فاقم الوضع إصرار القيادة السياسية على الالتزام بأهداف النمو المرتفعة والبالغة 7% والاعتماد على الائتمان لإنتاج المستهدف. كما يعاني التمويل الصيني من سوء التوزيع، إذ يتركّز على القطاعات الأقل كفاءة في الاقتصاد والمثقلة بالديون، ونتيجة ذلك تتآكل أسس المعجزة الاقتصادية الصينية بسبب عبء الديون التي لا تظهر تراجعًا ملحوظًا. وقام مكتب التدقيق الوطني في الصين بأولى محاولاته لتقييم حجم الدين الحكومي في عام 2010 والذي بلغ آنذاك 26% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ في منتصف 2013 نحو 32%، في حين أشار آخر إحصاء للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لارتفاع الدين بشكل حاد ليصل إلى 47.5% من الناتج المحلي في نهاية العام الماضي. لقد تضافرت هذه العوامل جميعها لتفرز مؤشرات متتالية على تباطؤ الاقتصاد، ومن بينها تدفقات نقدية خارجة من البلاد، كما تباطأ النمو الاقتصادي أكثر السنة الجارية مع نسبة 7% في الفصلين الأول والثاني وتراجع مؤشر نشاط الصناعة التحويلية في الصين إلى أدنى مستوى له خلال 77 شهراً وخمول القطاع العقاري وتفاقم مديونيات الشركات الصينية وتراجع الصادرات بنسبة تفوق الـ10%. وبغية مواجهة هذه الأوضاع وبعد سلسلة تخفيضات لأسعار الفائدة لم تفلح في تحفيز النمو الاقتصادي، اضطر البنك المركزي الصيني في نهاية المطاف إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية اليوان إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار الأمريكي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات بتاريخ 11 أغسطس الماضي وبنسبة 1.9%، وهو ما عكس مؤشرا قويا على ضعف الاقتصاد الصيني، وهي رسالة صينية كانت بالغة السلبية إلى العالم، بكونها إحدى أهم قاطرات النمو العالمي، وبالتالي تأثرت الأسواق والاقتصاد العالمي بصورة حادة بهذا التوجه الذي يعني إشعال فتيل "حرب عملات" بقصد أو دون قصد ومن ثم تأثرت أسعار السلع وحركة التجارة والعملات، لكن أكثر المناطق رعبا هي الأكثر حساسية ونقصد بذلك البورصات العالمية التي خسرت نحو 5 تريليونات دولار والنفط الذي هبط ما دون مستوى الـ40 دولارا، وهو الأدنى خلال سبع سنوات تقريباً.