16 سبتمبر 2025

تسجيل

عصر الجماهير

30 يوليو 2020

في أغلب قضايا الرأي العام نرى عصبية الجمهور لوجهة نظر أو موضوع معين وما يصاحب هذا التعصب من استنكار قاتل لكل رأي أو شخص على خلافهم. فتعصبهم لرأيهم يمنعهم حتى من الاستماع للآخر وإن كان ذلك من خلال نقاش موضوعي بحت. ونرى تشكل الجماهير في مواضيع عدة، سياسية ودينية، اقتصادية، رياضية، فنية وأدبية.. ويختلف عدد الجمهور من قضية لأخرى وفقا لمعطيات كثيرة منها: أهمية القضية في المجتمع، مركز ووضع صاحب القضية أو الرأي الاجتماعي ومدى قبوله لدى الجمهور.. وهناك عوامل أخرى لا يقل وضعها النفسي عن سابقيها، مثل: اشتراك الجمهور وصاحب القضية بعوامل متشابهة مما يترتب من شعور بالانتماء لدى الجمهور. يثير هذا التعصب والتشكل الجماهيري تساؤلات عدة منها: كيف لجمهور "رغم اختلاف شخصيات ممثليه ومرجعياتهم الفكرية والدينية وغيرها" أن يتحدوا في قبول أو رفض رأي.. تبني أو رفض قضية؟ انتماء لفكر شخص "آخر" سواء كان قائدا أو مفكرا أو مسؤولا أو حتى مغنيا أو مشهورا..؟ أن يتبنوا حلمه وينصروا نصراءه ويعادوا أعداءه.. ما هو سر هذه الجاذبية..! وقفة تأمل: مع محاولات المفكرين لاستخلاص القوانين العامة التي تتحكم بتصرف الجماعات عن طريق الأخذ بالعوامل النفسية والاقتصادية والدينية والسياسية وغيرها من عوامل مصاحبة بعين الاعتبار، بدءا" بأفلاطون وأرسطو والمفكر العربي ابن خلدون الذي درس انحطاط الدولة الإسلامية في أسبانيا، بالإضافة لعدد من المفكرين والفلاسفة الأوربيين في عصر النهضة الذين ناقشوا بعض التأويلات لعلاقة الفرد بالمجتمع وتأثير الجماعة على الفرد والظواهر المتعلقة بالتربية والتثاقف، كالمفكر أوغست كونت وجان جاك روسو وغيرهم. وشكلت هذا الآراء والتأويلات لاحقا علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، غير أن غوستاف لوبون يعتبر من مؤسسي علم نفس الجماهير، وفي كتابه (سيكولوجية الجماهير) ناقش خصائص الجمهور النفسية والمرتكزات الشخصية للقادة. ولاتزال هناك بعض من أفكاره تناقش اليوم وفي زمننا العصري هذا في محاولاتنا لتحليل تصرفات الجمهور الواعية وما يحركها من صور ذهنية في اللاوعي. فالقوى المحركة والمشكلة للجماهير ما هي إلا صور ومشاعر، وليست أفكارا ومناهج منطقية، ففي رأي غوستاف أن الجمهور هو مجموعة من الأفراد جمعتهم العاطفة لا العقل، وشبه اجتماعهم وتراصهم كجمهور بحالة غيبوبة أو تنويم مغناطيسي مؤقت، فلا يدركون ما فعلوا إلا بعد الاستفاقة.. "إن استفاقوا".. كحال الجمهور الذي يصفق لساعات طويلة تشجيعا لمطربه المفضل وصرف مبالغ هائلة محاولة منه لإنجاحه في برنامج تلفزيوني، أو جمهور يقضي ساعات الليل والنهار انتظارا لدخول حفل أو مباراة أو فلم. فمعرفة سر تشكل الجماهير وإثارة حماسها هي محاولة لفهم تصرفاتنا كأفراد في مجموعة، وأن نكون أكثر وعيا بما يدفعنا نحو قضية معينة وما يصرفنا عن غيرها، الإدراك النفسي للشخص ومحيطه هو سلاح لحماية الشخص نفسه من الانصهار في الكم اللاعقلاني لعاطفة المجموعة وحماية لفكر الفرد العقلاني والمنطقي. أستودعكم، "اعرض المعطيات بواقعية لأي منهج أو موضوع، تخلص من العاطفة المصاحبة.. لنشكل جمهورا أكثر وعيا" [email protected]