10 سبتمبر 2025
تسجيلفكيف يمكن أن يُـثــري هذا العقل بمزيد من تـــدفق الأفكــار والآراء إذا كان هذا الذهــن شـــارد ومنصــرف نحـــو مسائل هامشية، تُعطل، بل تعرقل، قــدرته الإبداعية نحو معالجة أي أمر متعلق بحياة أفراد المجتمع، سواء أكان تعليمياً أم صحياً أم اقتصادياً أم سياسياً أم غيـــره؟ في المؤسســات الصناعية أو التجارية الغربية الكبيرة، ومنذ الأربعينيات من القرن الماضي وهم يؤولون هذا الموضوع قــدراً كبيراً من الأهمية؛ حيث يُعينــون مجموعة من الأفراد تكون متفرغة تمــاما لتقــديم الأفكار والحلول لتلك القطاعات لغرض التقدم وتطوير أعمالهم، والوقاية من حدوث أي إخفاقات قـد تحدث مستقبلاً. وماذا نقصــد بالتفرغ الكامل للمُفــكر أو المُبــدعْ. التفرغ هُنــا تعني: أن لا يُشغل ذهن الشخص، المنــوط به أو المكلف لأداء مهمة التفكير والإبداع، بأي جانب مادي أو معيشي أو أسري أو اقتصادي أو سياسي؛ لكي ينطلق ويعمل هذا العقل في بيئة صافية وسليمة؛ ولكي يكون له القدرة على العطاء الذهني ونتاج الأفكار. ولأن نعمة العقل البشري، كما نعلم، ليس لهـا حدود في الإبداع والابتكار وطرح الحلول والآراء، فإنه بمقدار صفــاء الذهن وسلامته وعــدم تشــتتْ الذهن في مسائل ليس لها علاقة في الوظيفة المطلوبة منه، فسيكون، بالتأكيد، عملية التفكيــر واستخدام العقل أكثر تــدفقاً وتفجراً وأكثر قدرة على صناعة الحلول وصياغة أفكار المستقبل. فهل لدينــا هذه الاستراتيجية في بناء عقول متفرغة تســاعدنا في تجاوز أزماتــنا المتكررة، والتي لا تنفــك تــؤرقنــا جميعاً بشكل مستمر؟، وهل لدينــا القدرة على إتخاذ مثل هذه الخطوة العملية، بحيث نؤمن لمجوعة من الأفراد بأن يكونوا مصنعاً (انتاجياً) للأفكار وطرح الحلول والتنبؤ بعدم حدوث مشكلات أو معوقــات أو ارتدادات سلبية على المدى البعيد؟. نعم، هناك مراكز دراسات ومعاهـد بحثية وأقسام تطوير لكل الجوانب الحياتية، أو كما يقال بالانجليزي R & D لكل شركة أو لكل مؤسسة؛ ولكن، تظل تلك المراكز البحثية، تمارس وظائفها بعيدا عن مناخ حرية التفكير والتفرغ الذي أشرت إليه. وهناك سؤال آخر مهم: كيف سيتم اختيار تلك العقول لأداء تلك المهمة في صناعة الأفكار والحلول ؟ وما هي المعايير التي يتم من خلالها اختيار تلك العقول ؟، وما هي خصائص تلك الفئة المختارة لتمارس صناعة التفكير ؟، وكيف يتم تقييم عمل تلك اللجنــة ( المُفكر)؟ ولو أخــذنا على سبيل المثال لا الحصر، موضوع فاعلية (مردود) منهجية النظام التعليمي على عقول الشباب؛ ونتساءل: كيف يمكن تطويــر مخرجات التعليم، لخدمة الأجيال القادمة ؟ فكما ذكرت آنفاً، نحن بحاجــة إلى منهجية واضحة لمعالجة صنع الأفكار في مجال التعليم. وإذا ما حاولنا تطبيق فكرة إسنــاد هذه المهمة لمجموعة متفرغة لمعالجة منهجية النظام التعليمي، فإن المطلوب من تلك المجموعة أن تضع لنفسها منهجية وخطة عمل استراتيجية لكي تؤدي مهمتها بشكل مهني (علمياً). ومن المهم، كذلك، أن تكون تلك المجموعة، والتي تم اختيارها بناء على معايير علمية ومدروسة، على إطلاع واسع بالمشكلة الرئيسية، والتي يعاني منها قطاع النظام التعليمي ( والحديث هنا عن معظم نظم التعليم في العالم العربي). ولو طرحنا موضوعا آخــر، وهو ذو صلة بالموضوع: غياب المهــارات العقلية أو تهميش إعمال العقل في التحليل والنقاش والجدل العلمي لدى كثير من طلاب الجامعات، لوجدنا أن المشكلة تبقى في دائرة مسألة منهجية التفكير لدى كثير من الطلاب. فمن وجهــة نظري المحدودة، فإن مناهج النظام التعليمي العربي، سواءً على مستوى المراحل الثانوية أو الجامعية، أصبحت مهمتهــا توصيل المعارف والنظريات وتاريخ العلوم إلى أذهان الطلاب، دون تدريبهم وتعويدهم على تشغيل عقولهم نحو التفكير والإبداع والابتكار والتحليل وكيفية استنتاج الآراء لأي مسألة يتم طرحها. إن طرق التعلّم التلقيني وحفظ المعلومات ما تزال مسيطرة ( مهيمنة) على كثير من النظم التعليمية في البلدان العربية. فعلى الرغم من تطوير مناهج النظام التعليمي قــد بــدأ منذ فترة طويلة، حيث تم إدخال معارف جديدة وتم تحديث كثير من الكتب التدريسية - التعليمية، إلا أن معظم الطلاب يلجأون إلى الحفظ في الصدور؛ خوفاً من الرسوب في الامتحان. وحينما يتخرَّج الطالب من المرحلة الثانوية أو الجامعية، فإن كثيرا من المعلومات والمعارف قـد تبخــرت من أذهان الطلاب. وكأن مهمة المؤسسات التعليمية هي مساعدة الطلاب في اجتياز مراحلهم التعليمية، بغض النظر عن مــدى استفادتهم بمنهجيــة التفكير أو اكتساب مهارات جديدة. فهــل استطعنا أن نصنع جيــلاً يحمل قــدرة ذهنية يستطيع أن يفكر ويبحث ويستنتج ويقيس ويناقش، ويكون لديه مهارات إبداعية وابتكارية في الحوار والجدل والاستقراء والحدس، أم أنه يحملُ أسفارا ؟